مع مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها الدموية على قطاع غزة، عادت قضية اتهام إسرائيل بسرقة الأعضاء من جثث الفلسطينيين إلى الظهور من جديد بتقرير صدر بهذا الشأن في نهاية نوفمبر الماضي عن "المرصد الأورومتوسطي".
الممر الآمن
ويشار إلى أن "المرصد الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية تقع في جنيف، رصد أن الجيش الإسرائيلي صادر عشرات الجثث من مجمع الشفاء الطبي والمستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة، وجثثا أخرى من محيط ما يدعى بـ"الممر الآمن" بجوار طريق صلاح الدين، المخصص للنازحين المتجهين إلى الأجزاء الوسطى والجنوبية من القطاع.
وقد أفادت هذه "المنظمة الحقوقية" أيضا أن جيش الاحتلال استخرج الجثث من مقبرة جماعية في إحدى باحات مستشفى الشفاء، ومصادرتها.
سرقة الأعضاء من الجثث
كما لفت "المرصد الأورومتوسطي"، إلى أنه في ظل تسليم عشرات الجثث إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي قامت بنقلها إلى جنوب قطاع غزة لاستكمال عملية الدفن، لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتجز جثث عشرات الشهداء.
وإلى ذلك، أعربت "المنظمة الحقوقية"، عن قلقها حول سرقة الأعضاء من الجثث مستشهدة بتقارير من عاملين في المجال الطبي في غزة فحصوا بضع جثث بسرعة بعد إعادتها، مشيرة إلى أن هؤلاء المتخصصين الطبيين اكتشفوا أدلة حوا سرقة الأعضاء، على رأسها فقدان قواقع الآذان وقرنيات العيون، علاوة على سرقة الأعضاء الحيوية الأخرى مثل الكبد والكلى والقلوب.
وفي هذا الإطار، قام أطباء في العديد من المستشفيات الفلسطينية في غزة بتقديم بلاغ إلى فريق "المرصد الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، أن سرقة الأعضاء لا يمكن إثباتها أو دحضها فقط من خلال الفحص الطبي الشرعي، لأن العديد من الجثث خضعت لعمليات جراحية قبل الوفاة.
صعوبة إجراء الفحص
وأشار "الأطباء"، في نفس الوقت إلى أنه كان من المستحيل عليهم إجراء فحص تحليلي كامل للجثث التي تم العثور عليها نظرا للهجمات الجوية والمدفعية المكثفة وتدفق المدنيين المصابين، إلا أنهم عثروا على عدة علامات على احتمال سرقة أعضاء من قبل جسش الاحتلال.
وفي السياق ذاته، نوه "المرصد الأورومتوسطي" بأن تل أبيب لديها تاريخ في التمسك بجثث الشهداء الفلسطينيين، وهي لا تزال تحتفظ برفات ما لا يقل عن 145 فلسطينيا في مستودعاتها وما يقارب 255 في ما يدعى بـ "مقبرة الأرقام" بالقرب من الحدود الأردنية والمحظورة على الجمهور، فضلاً عن 75 مفقودا لم تحدد إسرائيل هويتهم.
مقبرة الأرقام
وأوضح "المرصد"، أن دولة الاحتلال استندت إلى قاعدة تشريعية في ممارساتها، ما يسمح لها باحتجاز جثث الفلسطينيين وسرقة الأعضاء منها، حيث يسمح حكم صدر عن المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2019 للجيش بدفن الجثث مؤقتا في "مقبرة الأرقام"، علاوة على أن "الكنيست" كان بحلول نهاية عام 2021، قد أصدر قوانين تسمح للجيش والشرطة بالاحتفاظ بجثث الشهداء الفلسطينيين.
نفي إسرائيلي
وبالرغم من النفي الإسرائيلي للتقارير التي تم نشرها في منصات إعلام عالمية، بما في ذلك عبر شبكة "سي إن إن" في عام 2009، عن مشاركة تل أبيب في سرقة أعضاء من الشهداء الفلسطينيين لاستخدامها بطريقة غير قانونية، ولكن قد أكد "المرصد الأورومتوسطي" أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تتمسك بشكل منهجي بجثث الذين تقتلهم، بحجة "الردع الأمني" وفي انتهاك تام للمواثيق والاتفاقيات الدولية.
تأكيد التقارير القديمة
ومن جهته، قام السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، بتقديم بلاغ في نهاية عام 2015 بأن جثث الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية "تعاد مع فقدان قرنيات وأعضاء أخرى، ما يثبت التقارير القديمة عن عمليات استئصال الأعضاء من قبل سلطات الاحتلال".
وقد كتب "الدبلوماسي الفلسطيني" في رسالته: " بعد إعادة الجثث المحتجزة للفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال خلال أكتوبر، وفي أعقاب الفحص الطبي أتصح أن الجثث أعيدت من دون القرنيات وأعضاء أخرى"، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يثبت صحة تقارير سابقة عن استئصال أعضاء.
وبدوره، رد "داني دانون"، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، برسالة مماثلة طالب فيها بالتنديد بـ"دوافع منصور المعادية للسامية".
والجدير بالإشارة أن اتهام إسرائيل بسرقة الأعضاء من جثث الفلسطينيين قد ظهرت لأول مرة في عام 2009 من خلال صحيفة "أفتونبلاديت"، التي توصف بأنها أكبر صحيفة يومية في السويد.
وقد تسبب ما نشرته الصحيفة السويدية في خلاف بين إسرائيل والسويد حينها، نشر على خلفيته أكاديمي أمريكي كان أجرى مقابلة في عام 2000 مع الدكتور يهودا هيس، الرئيس السابق لمعهد "أبو كبير" للطب الشرعي في تل أبيب.
انتزاع الأعضاء دون إذن ذويهم
ومن جانبها، نشرت "القناة التلفزيونية 2 " المقابلة لافتة إلى أن المتخصصين في معهد الطب الشرعي الإسرائيلي المذكور قاموا في عام 1990 بانتزاع الجلد والقرنيات وصمامات القلب والعظام من جثث الجنود الإسرائيليين والمواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين والعمال الأجانب، وعلى الأغلب بدون إذن من ذويهم.
بينما شدد جيش الاحتلال للبرنامج التلفزيوني على عدم حدوث تلك الممارسات، قائلا "هذا النشاط انتهى قبل عقد من الزمن ولم يعد يحدث".
فيما قال المسؤول السابق عن هذا المرفق الطبي الإسرائيلي،الدكتور "يهودا هيس"، في تلك المناسبة: "بدأنا في جمع القرنيات... كل ما تم القيام به كان غير رسمي للغاية. لم يطلب إذن من الأسرة".