بقلم: فادي أبو بكر
تُجسّد مذبحة رفح وحشية الاحتلال الإسرائيلي وتستحضر جرائم قتلة الأنبياء، وصرخات وأشلاء أطفال غزة تفضح عجز المجتمع الدولي وتلطخ وجوه المتغافلين بدماء الأبرياء، لكن يبقى اليقين بأن هذه الدماء الطاهرة ستُعجّل بزوال هذا الكيان النازي والمتوحش، الذي لا يعرف للإنسانية معنى ولا للرحمة سبيلاً.
تعكس مذبحة رفح - الملاذ الأخير للنازحين الغزيين - بدء خطوات عملية لاستراتيجية تطهير عرقي تهدف إلى تغيير الوضع الديموغرافي للمنطقة بالقوة. هذا النهج الإجرامي يتطلب استجابة وطنية وعربية ودولية عاجلة وفعالة، فالصمت لم يعد مقبولاً، والتجاهل لم يعد ممكناً، حيث يستخدم الاحتلال الإسرائيلي كل وسائل العنف والترويع لفرض إرادته على الشعب الفلسطيني، في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية والأخلاق الإنسانية. تستمر إسرائيل في رهانها على محدودية حراك الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، مستفيدةً من إدمانها على المعونات الأميركية ووهم الحماية التي تقدمها لها الولايات المتحدة. هذا الرهان الخطير يجب أن يكون إنذاراً للعالم للتعامل بحذر مع العلاقات الأمريكية، فعدم فهم هذه الحقيقة يشكل خطأً فادحاً في السياسة الدولية، وقد يؤدي إلى المزيد من التوترات والانتهاكات في الشرق الأوسط.
مذبحة رفح ليست حادثة عابرة، بل هي جزء من سياسة مدبرة للقضاء على الهوية الفلسطينية. هذه السياسات تتطلب تدخلاً جدياً من المجتمع الدولي وأحرار العالم لنصرة الشعب الفلسطيني ومساندته في نضاله المشروع من أجل الحرية والاستقلال. إن مواجهة وحشية الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه تتطلب جهوداً مشتركة على جميع الأصعدة: المحلية، الإقليمية، والدولية، نحو تعزيز الدعم السياسي والدبلوماسي، وتفعيل الأدوات والآليات القانونية الدولية، وتعزيز التعاون والتضامن الإقليمي، وتكثيف حملات الضغط والمقاطعة، وتشكيل شبكات دعم دولية تضم منظمات حقوقية وإنسانية عالمية، بالإضافة إلى إنشاء لجان دعم محلية في كل بلد تضم ناشطين ومثقفين وأكاديميين لدعم القضية الفلسطينية، ودفع زخم المظاهرات والحراكات الشعبية والطلابية عالمياً لوقف الحرب ومحاسبة إسرائيل، ومن الأهمية بمكان البناء على الاعترافات الأوروبية الأخيرة بالدولة الفلسطينية لتفعيل الدور الأوروبي نحو إجراءات صارمة وحازمة ضد السياسات الإسرائيلية غير القانونية.
علاوة على ذلك، يتوجّب تعزيز آليات رصد وتوثيق جميع أشكال الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتقديمها للجهات الدولية المعنية بهدف تشكيل حالة خارجية من تكثيف المساءلة الدولية لإسرائيل، والتي سيكون لها وجوباً اسقاطات قانونية وسياسية على تعامل الدول الأوروبية والغربية مع إسرائيل، وتحديداً فيما يتعلّق بتزويدها بالسلاح والذخيرة. وينبغي أن تضمن هذه الجهود استمرار حالة التراجع الجوهري في وضعية اسرائيل الدولية، حيث أصبحت منبوذة قانونياً ومعنوياً، وموصومة بارتكابها جرائم الإبادة والتجويع الجماعي وجرائم ضد الانسانية، والعمل الدؤوب لكبح جماح الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة بأدواتها ووسائلها الابتزازية المختلفة إلى حماية ظهر الاحتلال الإسرائيلي، والتستّر على جرائمه في كافة المحافل والأروقة الدولية.
وفي الختام، يجب أن نؤكد أن الدماء التي تُسفك يومياً في غزة، لن تذهب هدراً. إن صمود الشعب الفلسطيني وصبره وثباته، ودماء رفح الزكيّة يجب أن تكون دافعاً لنا جميعاً لنستمر في النضال. ويبقى الأمل قائماً بأن العدالة ستتحقق، وأن الاحتلال سينتهي، وأن الشعب الفلسطيني سيعيش في دولته المستقلة، حراً كريماً، كما يستحق.
كاتب وباحث فلسطيني [email protected]