بقلم: حمزة حماد
مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي وعضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين
لم يكن تقرير عام 2015م الذي أفاد بأن قطاع غزة غير صالح للسكن عام 2020م بمعزل عن الواقع المأساوي الذي نعيشه ذروته اليوم إزاء العدوان المتواصل ويأخذ اشكالا مختلفة كان آخرها "التجويع والتعطيش". ربما هذا التقرير الذي توصلت إليه منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "اونكتاد" في دراسة للأوضاع في غزة بعد عدوان عام 2014م وما سبقها، يعكس الصورة مجددا لواقع الحياة الاقتصادية والحياتية عامة، والتي اُنهكت في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية ليومها 265 على التوالي.
ما توصل إليه التقرير بعد حصار اقتصادي استمر لسنوات طويلة أدى لتدهور الحياة الإنسانية داخل القطاع، وتراجع عملية التنمية بل تدمير مسارها بأساليب شتى. وأمام هذه الإبادة التي أعدمت الحياة كليا، بات الأمر مختلفا علينا في الانتقال من معالجة الأزمات جزئيا إلى كليا وهذا يعني أن الاحتلال يمارس سياسة ممنهجة ومتعمدة في تحويل حياة الغزيين إلى جحيم غير مسبوق، والمفارقة واضحة في الأرقام المذكورة.
منذ أن تغلغلت الأزمات مجتمعيا، بدأ العد التنازلي أمام أزمات خطيرة كالمياه والكهرباء والغذاء وتدمير البنى التحتية، والبطالة التي وصلت إلى 90% وفق تصريح المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا قائلا: "إن هناك مخيمات للاجئين الفلسطينيين في غزة سُحقت تماما"، حيث كشف التقرير حينها أن سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة يعانون بنسبة 72 % من انعدام الأمن الغذائي، وأن 500 ألف شخص في غزة مشردين نتيجة آخر عملية عسكرية، كما أنه يتم الاعتماد على مستجمعات المياه الجوفية الساحلية كمصد رئيسي للمياه العذبة، لكن 95٪ من هذه المياه غير صالح للشرب.
فالأرقام اليوم تكشف حقيقة الانهيار والكارثة التي يعيشها الغزيون على الأصعدة كافة، بداية بمدة الحرب وهي الأطول والأشرس في تاريخنا المعاصر، وأشكال الجرائم التي ترتكب وقد طالت كل مكونات المجتمع والمحمية دوليا كالمشافي التي اخرجها عن الخدمة وعددها (33) مشفى، ونحو (112) مدرسة وجامعة مدمرة كليا و(323) جزئيا، وأكثر من (150) ألف وحدة سكنية مدمرة كليا و(200) ألف وحدة سكنية جزئيا، و(80) ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن، ناهيا عن ويلات النزوح التي طالت (2 مليون نازح)، إضافة لاستشهاد أكثر من (30) مواطنا على مرأى ومسمع دعاة الإنسانية جراء المجاعة التي تفشت في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ بدء العدوان غير أن قرابة (3,500) طفل معرضون للموت بسبب نقص الغذاء، وهذا ما أكدته تصريحات الأونروا "أن 96% من سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد".
فرغم الخسائر الأولية التي تصل إلى (33 مليار) دولار جراء هذه الحرب، إلا أن الاحتلال يريد بهذه الأرقام الخطيرة وفي مقدمتها (70%) من الضحايا هم من النساء والأطفال، أن يقدم رسالة للفلسطينيين أن مصيركم الموت وفق خطته الشهيرة "الحسم" والتي تهدف لإنهاء الوجود الفلسطيني، وكذلك للعالم الصامت أنه سيبقى فوق القانون الدولي ولا أحد يستطيع أن يوقف جرائم الإبادة التي يمارسها بدعم وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية وفق آخر تصريح للبيت الأبيض حين قال: "نقف إلى جانب إسرائيل وسنعمل على تزويدها بما تحتاجه من أجل الدفاع عن نفسها، وأن المساعدات العسكرية الأمريكية مستمرة في الوصول إلى إسرائيل".
لم يتوقف سلوك الاحتلال الإرهابي على ذلك، بل منع دخول شاحنات السولار والغاز مما اثر على حياة المدنيين سلبيا من خلال الحاجة المُلحة للأمور الحياتية اليومية، والمراكز المدنية التي تقدم الخدمة للمواطنين كما جرى مؤخرا في إخراج المشافي عن الخدمة، وتوقف وسائل النقل العمومية بعد تدمير عدد كبير منها بنسبة تفوق (50%)، علاوة على انتشار الأوبئة والأمراض جراء اختلاط المياه بالصرف الصحي ومواصلة الاعتماد على إشعال النار في طهي الطعام وغيرها، مما ينذر بوقوع كارثة إنسانية يصعب معالجتها أو السيطرة عليها.
ان استمرار تجاهل معاناة الفلسطيني يدفعنا أن نسأل، ما هو الرقم الذي يمكن أن يحرك الضمير العالمي بعد رحيل أكثر من 37 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى، وهل العالم بات يحتاج إلى حماية؟ المواقف يجب أن تترجم وإلا تصبح لا فائدة منها سوى للهرج الإعلامي كما نرى اليوم في ظل غياب الإرادة الدولية في الضغط على الاحتلال ومحاسبته على جرائمه الكبرى بحق شعب أعزل ينادي بحقه في الحرية والعودة وتقرير المصير.
البوابة 24