بقلم: فايز أبو رزق
قد يكون الفلسطينيون من الشعوب القلائل في العالم الذين يتناقلون يوميا أخبارا عديدة عن وسائل إعلام معادية ومضطهدة لهم، ففي بعض الأحيان هناك أسباب مختلفة، وثمة حاجة تفرضها الضرورة في النقل، لذلك وعلى مدار اليوم نقرأ أخبارا مطلعها "نقلا عن الإعلام العبري"، على الرغم أن الإعلام العبري ليس وكالة أنباء واحدة، ولا ينتمى بمجمله لمجموعة حكومية أو للقطاع الخاص، بل هو إعلام متشعب غاصٍ بالمتناقضات يتكون من مئات المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية والصحف الورقية والصحافة الالكترونية، لذلك على الناقل من الإعلام العبري بالدرجة الأولى أن يحدد مصدر الخبر الذي ينقله حتى نستطيع أن نفهم الأبعاد ونكشف المعميات التي قد تكتنف المقالات والتقارير الإخبارية المترجمة من اللغة العبرية، لأن الوسائل الإعلامية الإسرائيلية تضع مصلحة الدولة العبرية نصب أعينها ولا تستطيع مخالفة الرقيب العسكري، علما أن السواد الأعظم من وسائل الإعلام يملكها رجال أعمال أثرياء لهم أجندات سياسية واقتصادية، وتعتبر هذه الطغمة المالية من دوائر الضغط والتأثير في اتخاذ القرارات في إسرائيل، فغالبية الصحف الكبرى في إسرائيل مملوكة لعائلات تدين بالولاء للمال أولا، وثانيا لهذا السياسي أو ذاك، وبالطبع جميعها تدين بالولاء لجيش الاحتلال ومجندة خلفه في السلم والحرب، فالصحف الإسرائيلية، مثل (يسرائيل هيوم ويديعوت احرونوت ومعاريف وهآرتس) يملكها على التوالي عائلات (ادلسون وموزس وبن تسفي وشوكن)، وهي عائلات يهودية لها نفوذها المالي والسياسي في إسرائيل.
وعلى سبيل المثال، فإن صحيفة "يسرائيل هيوم" أسسها ملياردير يهودي أميركي يدعى شلدون أدلسون يحمل أفكارا يمينية متطرفة، ويعتبر من أهم داعمي بنيامين نتنياهو، لذلك ليس من المفاجئ أن تدافع مقالات رئاسة التحرير في الصحيفة عن سياسات رئيس الوزراء نتنياهو.
ولا يمكن لوسائل الإعلام أو السياسيين هناك، السير ضد تيار حيتان رأس المال، ولهذا العامل ولعوامل أخرى منها الأمني ومنها السياسي، نشاهد ونقرأ دوما فروقات كثيرة وكبيرة في التغطية من المراسلين الإسرائيليين للحدث ذاته، حتى أن بعض الأخبار والتقارير التي يسمعها المتلقي في راديو "مكان" الناطق بالعربية، تختلف في صيغتها عن تلك التي تبثها هيئة البث العامة الناطقة بالعبرية، وتختلف كذلك عن التقارير ذاتها التي تبثها إذاعة الجيش الإسرائيلي، فكل وسيلة إعلام تستهدف جمهورا بعينه وأيضا تستهدفه بساعات معينة.
أما عن ماهية هذه الفروقات في تناول الأحداث اليومية المتنوعة، فهي تكون أقل غموضا عندما يكون لدى المتلقي خلفية عن المراسل في الميدان أو المحلل في الأستوديو، أو الوسيلة التي يعمل بها سواء كانت صحيفة أو قناة إخبارية أو إذاعية أو حتى موقع أنباء على شبكة الانترنت.
وربما إلقاء نظرة في هذا المقال على الخلفيات السياسية والاجتماعية والعسكرية لأسماء بعض الصحفيين العاملين في الوسائل الإعلامية الإسرائيلية قد يسبر الغموض ويفصح عن آرائهم وتوجهاتهم.
يعتبرالصحفي الباحث افيشاي بن حاييم الذي يعمل في القناة 13، مثالا جيدا لما نود إيضاحه، فهو يميني متشدد مختص بالأحزاب الأرثوذكسية اليهودية من أنصار حزب شاس، ورغم اتهامه في كتاباته اليهود الغربيين "الاشكنازيين" بظلم اليهود الشرقي "السفارديم"، إلا أنه من المدافعين عن بنيامين نتنياهو (ذو الأصول الاشكنازية)، حتى إن افيشاي بن حاييم أخلى تماما مسؤولية نتنياهو عن أحداث السابع من أكتوبر، وقال في مقابلة إذاعية ثم كتب على صفحته الشخصية، إنه لو تم تنبيه نتنياهو ليلة السابع من أكتوبر لما وقعت هذه (الكارثة) موضحا أن نتنياهو واحد من ثلاثة قادة إسرائيليين (هرتسل وبيغن) يقلقون دوما على شعبهم خوفا من وقوع المجهول.
وبالمقابل لا يمكن اعتبار "اور هيلر" المراسل العسكري للقناة 13 من مؤيدي نتنياهو، فهو مقرب من هيئة الأركان في إسرائيل، وبسبب علاقته بالأوساط العسكرية استطاع تغطية الحروب الإسرائيلية على غزة في الأعوام 2014-2021م من داخل دبابة إسرائيلية. ويتميز هيلر بتركيزه على إعداد تقارير بين الحين والآخر تمجد الوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي.
بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في السابع من أكتوبر، قال هيلر في تقريره المسائي على شاشة القناة13 "وردتنا تقارير عن أن المئات من الغزيين يهربون إلى سيناء خوفا من الاجتياح البري لجيش الدفاع"
وانسياقا مع سلسلة أكاذيب الإعلام الإسرائيلي، كتب هيلر في شهر أبريل من العام الحالي 2024م، قبل اجتياح مدينة رفح، على صفحته الشخصية في موقع اكس "إن وزارة الدفاع قامت بشراء 100 ألف خيمة تتسع كل خيمة ل 12 شخصا وذلك للمساعدة في إجلاء النازحين من مدينة رفح".
أما مراسل الشؤون العربية تسيفي يحزكيلي للقناة 13، فهو ينحدر من عائلة علمانية ولكن يحمل أفكارا يهودية دينية متطرفة، وعلى شاكلة اليهود الحريديم لا يملك تلفازا في بيته، وهو متزوج وأب لسبعة أولاد، ويقطن في المستوطنة الدينية "بات عاين" شمال غرب مدينة الخليل، وقد أدى يحزكيلي خدمته العسكرية بالجيش الإسرائيلي في الوحدة الخاصة "موران"، وكانت هذه الوحدة تابعة لسلاح المظليين، وفيما بعد أصبحت تعمل ضمن وحدة "ميتار" التابعة لسلاح المدرعات الإسرائيلي. ثم عمل حارسا في وحدة حماية الشخصيات لمدة ثماني سنوات في جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك". والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يمكن أن نتوقعه من شخصية ذات خلفية دينية وعسكرية لمثل هذا المراسل؟ فغالبية تقارير يحزكيلي الاستقصائية كانت حول الإسلام والمسلمين، وفي نظرة شمولية لهذه التقارير نلاحظ تحولها من تقارير إخبارية إلى تقارير تحريضية ومنحازة تفيض بالكراهية اتجاه الإسلام.
وعندما أطلقت إسرائيل سراح الدكتور محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء الطبي من سجونها، وصف يحزكيلي في فيديو بثه على موقع اكس الدكتور أبو سلمية بالمخرب وله منصب رفيع في حماس وكان على معرفة أن هناك "رهائن إسرائيليين" في مستشفى الشفاء مضيفا "حماس أبلغت أبو سلمية بموعد السابع من أكتوبر كجزء من التحضيرات المسبقة لإخفاء الأسرى في المستشفى" وأنهى الفيديو قائلا "كما يبدو لم تتعلم إسرائيل شيئا من درس السابع من أكتوبر".
ونجد أحيانا بعض المراسلين الإسرائيليين الذين يعارضون بشدة سياسيات نتنياهو، ولكنهم في نفس الوقت من أكثر المراسلين الإسرائيليين تحريضا على الفلسطينيين، ويأتي المحلل ايهود يعاري على رأس هذه القائمة، فقد كان يبدي كراهية شديدة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، واتهمه بإعطاء التعليمات شخصيا لقتل إسرائيليين، وكان يعاري ومازال يظهر معارضته الشديدة لاتفاقيات أوسلو، وانتقد في السنوات الأخيرة مرارا وتكرارا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأثناء انعقاد مونديال كأس العالم في قطر عام 2022م، قال يعاري عبر شاشة القناة 12: "لا يوجد للإسرائيليين ما يبحثون عنه في قطر"، وشن يعاري في مداخلته هجوما عنيفا على قطر ووصفها بدولة تحتضن وتمول الإرهاب.
وكثيرة هي تحليلات ومقالات يعاري عن السابع من أكتوبر، فهو من المراسلين الذين يعشقون نظريات المؤامرة، وينشغلون طوال الوقت بالتحريض على الآخر العربي عامة والفلسطيني خاصة، وربما يكون أكثر تحليل مجافٍ للعقل والمنطق قدمه يعاري عبر القناة 12 أوضح فيه أن "هجوما كبيرا متعدد الأطراف كان قيد الإعداد بين حماس وإيران وحزب الله، يستهدف هجوما متزامنا في آن واحد على بلدات في شمال إسرائيل وجنوبها تحت غطاء صاروخي عالي الدقة ضد أهداف استراتيجية في إسرائيل تشمل محطات توليد الكهرباء والقواعد الجوية، ولم تخرج الخطة إلى حيز التنفيذ بسبب التدخل السريع للرئيس الأمريكي جو بايدن".
ومن المراسلين الإسرائيليين في القنوات العبرية ننتقل إلى بعض رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية، وهؤلاء يقع عليهم عبء كبير في توجيه الرأي العام في إسرائيل، ومنهم الصحفي المخضرم بن كاسبيت الذي يكتب لصحيفة معاريف والمونيتور الأمريكية وصحف أخرى، ويعتبر من أشد منتقدي نتنياهو في إسرائيل، وقد أصدر كاسبيت عن نتنياهو كتابين كشف فيهما العديد من الأسرار العائلية لنتنياهو، وعرضته مقالاته التي يكتبها ضد نتنياهو وضد أسرته إلى رفع دعاوي قضائية في المحاكم الإسرائيلية ضده من نتنياهو وزوجته سارة.
وعلى الرغم من أن بن كاسبيت خريج قانون وصحفي جريء في قضايا تخص الدولة العبرية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالآخر، فإنه يرمي كل القوانين والأخلاقيات وراء ظهره، ويظهر الوجه البشع في تعامله مع قضايا الفلسطينيين. نشر بن كاسبيت مقالاً بعنوان "هل تسمع يا أحمد؟" يوضح فيه لأعضاء الكنيست العرب المسموح والممنوع في إسرائيل، وفي المقال وصف كاسبيت الأعضاء العرب بأنهم أشرار وطابور خامس وسموم ينبغي سجنهم أو طردهم أو ترحيلهم. وكراهية بن كاسبيت لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو لا يجعل منه محبا ومقربا للفلسطينيين، ففي إحدى مقالاته وصف الأسرى الفلسطينيين بأنهم "يسمنون كالخنازير وينعمون بكل النعم، وتصيبهم التخمة، ويحظون بزيارات مكثفة، ويمكنهم أيضا تنفيذ عمليات تخريبية من داخل السجن الإسرائيلي". والمتابع لمقالات بن كاسبيت لا يمكنه ان ينسى مقالا نشرته صحيفة معاريف دعا فيه بعبارات ضمنية، ولكن واضحة التحريض، إلى قتل أو اغتصاب الفتاة الفلسطينية عهد التميمي التي قاومت اعتقالها من قبل جنود جيش الاحتلال أمام الكاميرات، وأضاف أيضا في مقاله "يجب أخذ ثمن إذلال جنودنا في فرص أخرى، أي في مكان مظلم لا يوجد به أحد، ولا كاميرات"، ما فسره البعض أنها دعوة لاغتصاب الفلسطينيات.
اما الصحفي حجاي سيغل الذي شغل حتى العام 2023م. منصب رئيس تحرير صحيفة مكور ريشون، فهو أحد أعضاء التنظيم السري اليهودي الإرهابي، وضمن أعمال التنظيم كانت العملية الإرهابية التي وقعت بشهر يونيو من العام 1980م، حيث تم تفخيخ ثلاث سيارات لرؤساء بلديات في الضفة الغربية المحتلة، ونتيجة أعمال التنظيم الإرهابية تم الحكم على حجاي سيغل بالسجن ثلاثة أعوام بالسجن الفعلي وعامين مع وقف التنفيذ، وفيما بعد تم تخفيض حكمه الفعلي لعامين فقط بقرار سياسي.
وسيغل لا يهاجم في كتاباته الفلسطينيين فقط، بل ينفث سمومه الإعلامية ضد المعارضين لسياسة اليمين المتطرف في إسرائيل. ففي عام 2023م، قدمت حركة إسرائيلية تطلق على نفسها اسم "الرايات السوداء" للمدعى العام في الدولة العبرية طلبا رسميا لفتح تحقيق ضد صحيفة مكور ريشون وضد سيغل بتهمة التحريض على العنف ضد نشطاء الحركة المناوئة لبنيامين نتنياهو، وذكرت الحركة في طلبها الذي نشرته وسائل إعلام إسرائيلية أن الصحيفة وفي إحدى افتتاحياتها، شبهت حركة الرايات بالحرس الثوري الإيراني، وبأن الحركة ما هي إلا تنظيم يساري متطرف.
وفي أبريل من العام الحالي 2024م، وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة كتب سيغل مقالا بصحيفة مكور ريشون بعنوان "الطريق لإيران يمر عبر رفح"، طلب في مقاله من الجيش الإسرائيلي اجتياح رفح ليس بحثا عن الأسرى الإسرائيليين بل برر ذلك بأن اجتياح مدينة رفح هو طريقة مثلى لإيذاء إيران حتى تصفية الحسابات معها في قادم الأيام.
وكما يقال من شابه أباه فما ظلم، فالابن عميت حجاي سيغل هو المراسل السياسي للقناة 12، وعميت يتمتع بشهرة واسعة بين الصحفيين الإسرائيليين، في مقابلة أجراها سيغل الابن مع إسرائيلية قُتلت أختها في أحداث السابع من أكتوبر، أجهش سيغل بالبكاء حزنا على إسرائيلية واحدة مقتولة، بينما في تقارير سيغل اليومية على شاشة القناة 12، لم يرف له جفن وهو يتحدث عن صواريخ الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحصد الضحايا من الأطفال والنساء في غزة.
والاختلاف والاستثناء لكل ما سبق، ربما يكون جدعون ليفي الكاتب في صحيفة هآرتس، فالكثير من الإسرائيليين يتهمون ليفي بأنه متحيز لصالح الفلسطينيين، لدرجة أنه وبسبب إحدى مقالاته قام (1600) إسرائيلي بإلغاء اشتراكهم السنوي في صحيفة هآرتس. ووصفه بعض الإسرائيليين بأنه بوق للدعاية النازية، وفي إحدى مقالاته قبل سنوات وصف جدعون ليفي ايديولوجية نتنياهو على أنها متشددة ومتطرفة، فهو، أي نتنياهو، شخص لا يؤمن "بأي سلام مع الفلسطينيين ولا يعنيه قدرهم قيد أنملة، ويوما ما سيلحق الكارثة بإسرائيل، لأنه صبي لم ينضج، وخياله ما زال عالقا في عالم الكتيبة ".
وخلال الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة بعد السابع من أكتوبر عام 2023م، كتب ليفي خلال الحرب "لم يكن هناك أي لزوم للحرب، ووضع إسرائيل نهاية الحرب سيكون أسوا بكثير مما كان عليه في بدايتها".
وعلى الرغم من أن كتابات إسرائيلية عدة للمؤرخين الجدد تطالب الساسة الإسرائيليين بعقد اتفاقيات سلام مع الجيران العرب ولكن تلك الأصوات تخفت في ظلال الحرب على غزة، وليس من قبيل المبالغة القول إن الدولة العبرية ومنذ إعلان قيامها كانت في حالة حرب أو في حالة استعداد للحرب، وإذا ما طرح أمامها خيارا السلام أو الحرب، فهي قطعا تختار الحرب في المقام الأول. ولهذا السبب نجد على الدوام المراسلين المتخصصين بالشؤون العسكرية والسياسية في إسرائيل، على اختلاف ولاءاتهم الحزبية وانتماءاتهم الفكرية، هم الأكثر شهرة بين أقرانهم من المراسلين الآخرين. وخلاصة القول، اتركوا موضوع الترجمات والنقل عن الإعلام الإسرائيلي للمختصين والإعلاميين، ومن يبحث عن بعض الحقائق في وسائل الإعلام العبرية، عليه تجاهل الأخبار المشوهة والمشبوهة والمنقوصة والمغرضة التي تنقل على أيدي هواة أو مجهولين، بدون التأكد من مصادرها الحقيقية ومن يقف خلف نشرها من غرف الاستخبارات والثكنات العسكرية.