الكمين

د. محمد احمد ابو سعدة

يمكن وصف الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 م، بمجموعة من الكمائن . فهي قد بدأت أصلا بكمين ضد فرقة غزة العاملة في الجيش الإسرائيلي ، و تعرضها لتدمير كلي أو شبه كلي وفقا للروايات الإعلامية . وقد ترتب عليه وقوع غزة بأكملها - الحجر والبشر- لكمين إسرائيلي أقل ما يمكن وصفه " بكمين الإبادة ". فالأرقام المتداولة في الإعلام حول الخسائر الفلسطينية منقوصة و غير حقيقية؛ وذلك لعده أسباب؛ منها الحفاظ على خصوصية بعض المعلومات التي تخص المقاومة الفلسطينية ، إلى جانب الإحتفاظ بتماسك الجبهة الداخلية في غزة بعدم الإعلان عن ضخامة الأرقام. وان هذه الأرقام سوف تتكشف بعد إنتهاء الحرب بأيام. وفي ظل هذه الكمائن الكبيرة ، نرى بين و الحين و الآخر كمائن محدودة لمقاتلي حماس ضد قوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة في محافظات غزة . وأنا هنا لا أعلم مدى أثر و تأثير هذه الكمائن كونها ذات طابع عسكري و أمني ، إلا إنني و وفقا للتخصص أحذر في هذا المقال من كمين نيتياهو " الخطير " ، و هو كمين سياسي محكم يجب الإفلات منه. للأسف غالباً ما نستمع إلى بعض المحللين عبر قنوات إعلامية متنوعة ، أقل ما يمكن وصف تحليلاتهم بأنها فنطزية و هلامية و جعجعية لا علاقة لها بالواقع ؛ و يتعاملون مع القنوات الإعلامية كما يتعامل المتقدم لوظفية ، فمعظمهم يسعون إلى إرضاء رؤية القنوات الإعلامية حرصاً على مصالحهم الشخصية للأسف. متنصلين من ما تعلموا في التاريخ و السياسة هذا إذا كانوا مختصين أصلا. وللتدليل على ذلك شواهد كثيرة ، ولكن هنا أسلط الضوء على إستخفاف بعض ما يطلق عليهم " محلليين سياسيين" بشخصية نيتياهو ، والتي تشير كل الدلائل بأنه واحداً من أقوى الشخصيات الإسرائيلية السياسية وأخطرها والدلائل على ذلك كثيرة .

وحرصاً على عدم الإطالة أحذركم من " كمين نتياهو السياسي " ، فنيتياهو أعلن بأنه لا يريد حكما في غزة. لا من فتح و لا من حماس ( لا فتحستان و لا حماسستان) ، وانه يريد إدارة مدنية في غزة. وهنا السؤال أين الكمين ؟ الكمين يا ساده ان نيتياهو لا يريد حكومة لفتح و لا حكومة لحماس و لا حكومة مدنية أيضا في غزة . وانه ينادي بالحكومة المدنية ليقدم نفسه ممتلكا لرؤية و حلول ، و هو في الحقيقة لا يريد ذلك أصلا . مستنداً على العقلية الفلسطينية و التاريخ الفلسطيني ومواقفنا الرافضة لكافة الحلول القادمة من الخصوم . و وفقا للتاريخ الفلسطيني نحن دائما نقول لكل مقترح من الجهة المعادية بالقول (لا) ، فأجدادنا لم تقبل التقسيم هل تذكرون ؟! فنيتياهو يحارب أي إمكانية لوجود أي سلطة مدنية في غزة من خلال المذابح التى يرتكبها في غزة ، فمن سيقبل بتشكيل حكومة أو إدارة مدنية بغزة وفقا لشروط نيتياهو؟؟ و من سيقبل أن يحكم على ظهر دبابة إسرائيلية؟؟ ومن لديه الجرأة أن يتخطى عذابات الناس و جراحاتهم ؟ ومن يستطيع إعادة إعمار غزة بصفته المدنية ؟؟؟؟ أفيقوا !!!! فنتياهو لا يريد أي شكل من أشكال الحكم في غزة ، بل يريد فوضى ثم فوضى ثم فوضى بهدف تهجير الناس من غزة فقط ، بعد أن يقتنع الناس بأنه لا حياة و لا أمل و لا مستقبل في غزة، على أن تقرر إسرائيل بعد عشر سنوات كحد أدني مستقبل غزة السياسي . ( احتلاله ، استيطانه ، ادارة مدنية ، حكومة اهلية عميله ، دمج سكانها كدرجة ثالثة في اسرائيل ، و غيرها من الحلول ).

وهنا و من أجل الإفلات من كمين نتياهو السياسي الإستراتيجي الخطير ، علينا تشكيل إدارة حكم محلي لغزة فلسطينية وطنية مؤقتة؛ و مباركة السلطة والفصائل الفلسطينية، على أن تحفظ هويتها الفلسطينية الوطنية ،و لتكون دافعاً لوقف الحرب ، وقطع الطريق أمام مراوغات نيتياهو قدر المستطاع، و إغاثة الناس المنكوبة ، و التجهيز لإنتخابات سياسية في القريب العاجل . على أن تكون بإتصال و تواصل مباشر مع الدول الإقليمية المؤثرة كمصر و السعودية و تركيا و قطر و الإمارات .

البوابة 24