البوابة 24 البوابة 24

رسالة من غزة إلى فيروز في عيدها

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مرحبا عزيزتي فيروز…

أشعر أنني لا أريد أن أكتب لك رسالة عادية، لكنك مصدر تلك العادية والحديث عن كل الأشياء بعادية وتلقائية، بعفوية وصدق، فمن تلك التي هربت من الشباك وتأتي لتعترف أمامنا بعادية؟ ومن تلك التي تحكي عن اشتياقها بعادية سواكِ؟

تجيبين عن كل الأشياء ببساطة وعادية وكأنك تسكنين القصر، والكوخ، وبيت المخيم، في الحي القديم، في الحي الجديد، في المقهى البسيط ذي الكرسيين أمام البحر، الكشك القريب، المطعم الفاخر البعيد. بعادية جداً.

أتعرفين يا فيروز، يا ساكنة البيت والمدينة: لم يصنع أحد في عالمي هذه البساطة مثلما صنعتِ بي، حتى بتّ أخشى عليّ من حفلة تقفين فيها أمامي وتغنين. حتماً لن أصدق. أتعرفين لم؟

يقول الطب والعلم إن أول حاسة تتشكل في ذاكرة الجنين هي حاسة السمع، ويقول علم النفس، إن حاسة السمع هي الحاسة التي تدخلك متاهات الشعور، فقيل "الأذن تعشق قبل العين أحياناً"، والأذن قد تدخلك نحو الخوف أحياناً، فكيف لفيروز أن تنتصر على صوت الانفجار والحرب؟

صوت العشق أقوى من صوت الخوف. لأجل الحب ننجو.

أتعرفين يا فيروز، يا ساكنة البيت والمدينة: لم يصنع أحد في عالمي هذه البساطة مثلما صنعتِ بي، حتى بتّ أخشى عليّ من حفلة تقفين فيها أمامي وتغنين. حتماً لن أصدق

لقد كنتِ التشكيل الأول لحاسة السمع لدي. ما زلت طفلة برفقة أمي في زيارة لبيت ستي لأمي. كانت ستي تقلّم ورق الريحان والنعناع في أصصها، ومن مطبخها تفوح رائحة الشاي بالميرمية، ومن غرفة خالي يأتي صوتك "خبطة قدمكن". تنازلت عن رغبتي بالتقاط الريحان ومشاكسة ستي وشرب الشاي، ووقفت بباب غرفة خالي. رأيته يشاركك الغناء ويصدح معك: "إنتو الأحبة"، لكن الجملة عالقة، وكأنها تشاركني وقوفي بباب الغرفة: "خبطة قدمكن". لوقت طويل ظننت أنك تسكنين غرفة خالي فقط.

أحب صوتك القادم من هناك، وكلما جاء اسمك وصادفت أحد يحمل اسمك، جاء صوتك من غرفة خالي في بيت ستي العتيق، ومعه رائحتان، الريحان والميرمية، ويد ستي تسند خاصرتها ويد أخرى تقلّم ورق الريحان.

أنتِ من هناك؟!

صوتك الذي يجب أن يأتي من بعيد والحياة تمضي، ركيزة الوقت الذي عرفته من صالة البيت مثلاً، من يستيقظ أولاً في البيت عليه أن يدير الإذاعة، الكاسيت، التلفزيون، الجوال نحو صوتك.

أنتِ التي تسكنين صالة البيت في الصباح، تشبهين أمي التي كانت تودعنا من هناك، من البيت الذي فيه صوتك، تفوح معه رائحة صابون الحلاقة لأبي وإخوتي، وصوت تسبيحات أمي تودعنا: "الله معكم"، وصوتك مازال. تصلي أمي في غرفتها وصوتك مازال.

رصيف 22