صقيع "الخيام" يحصد أرواح "مواليد" وطبيبٌ يقدم إرشادات "نجاة"!

صقيع الخيام.jpg
صقيع الخيام.jpg

غزة/ البوابة 24- صابرين الحرازين

كملاكٍ نائمٍ كانت لتبدو في ملفّها الأبيض، لولا خطٌ من الدماء جفّ ناحية فمها. يرفعها والدها بقهر ويصرخ أمام كاميرات الصحافيين: "صحتها أمها علشان ترضع لقتها جثة. بنتي ماتت من البرد".
"سيلا محمود الفصيح" التي لم تكمل من عمرها الشهر، فارقت الحياة قرب قلب أمها، في خيمةٍ من النايلون والقماش، تحت زخات المطر. ماتت من البرد، بعد أن ولدت طبيعية، بدون أية أمراض. 

تحكي أمها بصوتٍ يرتجف حزنًا: "يا ريت قدرت أخبيها بقلبي"، ثم تنظر ناحية أطفالها الآخرين بقهر، هامسةً بمخاوفها على حياتهم هم أيضًا، تحت النار، والمطر، ووسط صقيع المنطقة التي صنفها الاحتلال "آمنة" كذبًا، وترك فيها النازحين دون أي مقومات للحياة الإنسانية.

سيلا واحدة من ستة أطفالٍ فقدوا حياتهم خلال أقل من أسبوع، بسبب البرد في خيام النزوح، تحت تأثير المطر والمنخفضات المتلاحقة، وانعدام وسائل التدفئة، وانقطاع الكهرباء واختفاء الحطب حتى!
تعلق أمها باكية: "طلعت من بيتنا بغزة (تقصد المدينة) علشان أحميهم، لقيت الخطر أكبر بكثير.. أنا فقدت بنتي اللي ما شافت شي من الدنيا بسبب عمري ما كنت أتخيله! إنها تموت من البرد".

بدائل بلا قيمة!

سيلا، وعائشة القصاص، وعلي صقر، وعلي عزام، وجمعة البطران وتوأمه، جميعهم قتلى "البرد" في غزة. ظهروا على شاشات التلفزة، وفي ثنايا السطور في المواقع والصحف يصرخون أولادهم، "بينما العالم كله صامتُ يتفرّج، بل يتجهّز لاحتفالات رأس السنة" تصف والدة سيلا الواقع بتهكم.

ويحكي يحيى البطران، وهو والد توأمين خديجين توفيا أمس، لـ"البوابة 24": "بسبب شح الإمكانيات، وعدم وجود متسع للحالات جميعًا، خرجت بهما من المشفى، وكل ما استطعت فعله للاطمئنان بأنهما سيكونان بخير، الحصول على جهاز تدفئة من وكالة الغوث (اونروا)، يعمل بالشحن وأقاسمه بينهما لمدة ثلاث ساعات".

لم يُجدِ جهاز الوكالة نفعًا أمام عِظَم المحنة! بالإضافة إلى غلاء الأسعار، وشح الحليب المخصص للأطفال الخدج، وضيق ذات اليد. يحكي: "لم أجد أمامي إلا شراء حليب الوكالة، وبسعر كبير، أصنعه لهما على نار أوقدها بقطع النايلون والبلاستيك، يختلط به رمادها، لكن ما من خيار آخر أمامي".

ولم يقتل برد الخيام في قطاع غزة، الأطفال وحسب. هناك شابٌ يعمل حكيمًا، ويُدعى أحمد الزهارنة، وُجد مطلع الأسبوع ميتًا "متجمدًا" داخل خيمته.

81% من الخيام اهترأت

وبرغم التحذيرات الكثيرة من قبل الجهات المختصة المحلية والدولية، حول خطورة موسم الشتاء القادم، وضرورة اتخاذ النازحين احتياطاتهم، وتحديدًا في المناطق الساحلية، إلا أن الواقع المُعاش أصعب بكثير من أن تهوّنه أي احتياطات احترازية.
 يقول الناطق الرسمي باسم حكومة غزة إسماعيل الثوابتة: "أوضاع النازحين تزداد صعوبة تحت المطر. إنهم يعيشون في خيامٍ مهترئة، مصنوعة من النايلون والقماش، لا يمكن بأي حال أن تصمد أمام رياح الشتاء العاتية".

وأضاف: "الاحتلال تسبب بأزمة إنسانية عندما أغلق المعابر، ومنع المستلزمات الأساسية -لا سيما الخيام- من الدخول للقطاع"، مشيرًا إلى اهتراء  110.000 خيمة، تزامنًا مع موجات الصقيع الشديدة، "أي بنسبة 81‎%‎ من الخيام الموجودة صارت بحاجة إلى تجديد، ولا بديل لها في أسواق غزة".

وكان مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا" فيليب لازاريني، صرّح مرخرًا، بأن "الأطفال في غزة يتجمدون حتى الموت في طقس شديد البرودة، بينما تتكدس الإمدادات اللازمة لمواجهة الشتاء منذ عدة أشهر على المعابر في انتظار سماح إسرائيل بدخولها للقطاع".

وإلى حين إعداد هذا التقرير، فقد بلغ عدد الأطفال الذين أُبلغت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" عن مقتلهم في قطاع غزة، 14500 طفل.

تفسيرات وتحذيرات

وأمام واقع الحال الصعب في خيام النزوح، التي أُجبر الفلسطينيون على إنشائها في المناطق التي زعم الاحتلال أنها "آمنة"، وبات يقصفها على رؤوس من فيها، قابلت "البوابة 24" طبيب الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى، بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، هاني الفليت، الذي فسّر "طبيًا" كيف قد يُفضي البرد إلى فقدان الحياة، وقدّم تعليمات لتخفيف وطأته -قدر الإمكان- في ظل الواقع المزري للعيش في خيمة.

وقال: "الحالات التي وصلت المشفى، توفيت بسبب انخفاض شديد بدرجة حرارة الجسم، أدى لتوقف عمل أجهزته بالكامل. القلب، والجهاز العصبي على وجه التحديد، ولهذا يفقد الإنسان حياته"، ملفتًا إلى أن الأطفال الأقل عمرًا، هم الأكثر عرضة للإصابة بهبوط حاد في درجات الحرارة، "وغالبًا يكون علاجها أصعب".

ولفت إلى أن على الأمهات والآباء مراقبة أطفالهم على الدوام، لا سيما الرضع منهم، "حيث تبدأ الخطورة عندما يظهر احمرار على الجلد، وتصبح أطراف الطفل باردة جدًا"، مضيفًا: "بينما الأطفال الأكبر سنًا فترتفع حرارة أجسادهم، وتصاحبهم رعشة مستمرة".

وينبه الطبيب الفليت، إلى أنه في حالة عدم انتباه الأم الفوري لهذه الحالة، قد تتفاقم حالة الطفل، فيصاب بفقدان الذاكرة.

إرشادات ميدانية

ويوصي الفليت الأهالي بضرورة تدفئة أبنائهم، بعمر أقل من عام، بمحاولة توفير الملابس الثقيلة جدًا لهم، مؤكدًا على أهمية تناول الغذاء الذي يحتوي سعرات حرارية عالية ما أمكن، لحمايتهم من صدمة البرد، أو انخفاض درجات الحرارة"، مستدركًا: "أعرف أن ما أطلبه صعب للغاية في ظل ظروف الحصار الخانق، لكن نتمنى أن يتمكن الأهالي من تحقيق ذلك ما استطاعوا".
ودعا للاهتمام بتغطية أرضية الخيام بالنايلون أو الكرتون، تحديدًا تحت الفراش لامتصاص البرودة، محذرًا من إشعال النار داخل الخيام كمحاولة للتدفئة خشية من حدوث كوارث أخرى كالاختناق أو الحريق.

وحث النازحين على لعب تمارين رياضية خفيفة، تساعد على توليد الطاقة وتوازن حرارة الجسم، وحك اليدين بين الحين والآخر، والتحرك ولو في ذات المكان .

وقال: "استعملوا الملابس القديمة أو حتى الممزقة كطبقات إضافية للطفل، والانتباه دائمًا للأطراف حيث يخسر الطفل حرارته منها دائمًا. ومحاولة تغطية اليدين والقدمين والرأس على الدوام، ولف القدمين بأكياس بلاستيكية فوق الجوارب للحفاظ على درجة حرارة الجسم".

وينصح خبراء، سكان الخيام، بعزل خيامهم قدر الإمكان، من خلال وضع أكياس الرمل والتراب حول قاعدة الخيمة؛ لمنع دخول الهواء البارد، واستخدام الكرتون كقطعة عازلة للأرضية، والاستفادة من أكياس الطحين والأرز الفارغة، في تغطية الجدران والأسقف وتقليل دخول الهواء البارد.

البوابة 24