شامخ بدرة
القوى الكولونيالية الاستعمارية لا تعتمد فقط على الإبادة المباشرة للسكان الأصليين، بل تلجأ أيضًا إلى الخداع وفرض الأمر الواقع كأدوات لتحقيق أهدافها. فالمشروع الكولونيالي الأمريكي-الصهيوني، الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، قد لا يتم فقط عبر القصف والتجويع والتدمير، بل أيضًا من خلال مخططات غير مباشرة لفرض التهجير، مثل سيناريو فتح الحدود بين غزة ومصر أو تفجير الجدار الحدودي على أيدي مجهولين.
رغم أن الجدار ليس الوسيلة الوحيدة لتنفيذ هذا المشروع، إلا أن هذا السيناريو قد يكون أحد الأدوات التي تُستخدم لخلق واقع جديد لا يمكن التراجع عنه، مما يضع الفلسطينيين أمام خيار الهجرة كأمر واقع، ويستغل ذلك سياسيًا لإنهاء القضية الفلسطينية نهائيًا.
تفجير الجدار.. سيناريو 2008 مقابل اليوم
في يناير 2008، وخلال الحصار الإسرائيلي المشدد على غزة، تم تفجير أجزاء من الجدار الحدودي بين غزة ومصر، ما سمح لعشرات الآلاف من الفلسطينيين بالدخول إلى سيناء لشراء المواد الأساسية. لكن الوضع آنذاك كان مختلفًا تمامًا:
1. لم يكن هناك ضغط دولي لتوطين الفلسطينيين في مصر، بل كان الأمر محصورًا في البحث عن احتياجات يومية أساسية.
2. عاد معظم الفلسطينيين إلى غزة بعد أيام، إذ لم تكن هناك نية أو مخطط واضح لإبقائهم خارج القطاع.
3. لم يكن هناك مشروع سياسي معلن يسعى إلى استغلال هذا الحدث لإعادة توطين الفلسطينيين.
اليوم، الظرف مختلف تمامًا. فإذا حدث تفجير مماثل الآن، فإن المخاطر ستكون أكبر، وقد يُستخدم الأمر لتمرير مخططات التهجير بشكل دائم تحت ذرائع إنسانية.
كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
1. استغلال الأزمة الإنسانية في غزة
• استمرار القصف والتجويع والتدمير الممنهج قد يدفع الفلسطينيين إلى البحث عن أي مخرج، وإذا تم فتح الحدود أو تفجير الجدار، فقد يُصوَّر ذلك على أنه حل إنساني لإنقاذ المدنيين.
• القوى الدولية قد تدعم ذلك كجزء من خطاب “الإغاثة”، في حين أن الهدف الحقيقي هو خلق نزوح جماعي طويل الأمد.
2. الضغط على مصر لقبول اللاجئين
• إذا تدفق الفلسطينيون بأعداد كبيرة إلى سيناء، قد تواجه مصر ضغوطًا دولية لقبولهم كلاجئين تحت ذريعة “الحالة الطارئة”.
• القوى الكبرى قد تستخدم خطابًا إنسانيًا مضللًا للضغط على مصر، مما قد يؤدي إلى تحويل النزوح المؤقت إلى توطين دائم.
3. استغلال الفوضى لفرض أمر واقع
• إذا خرج مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة، يمكن لإسرائيل وحلفائها تصوير ذلك على أنه “خيار الفلسطينيين أنفسهم”، مما يسمح لها بالادعاء أن الفلسطينيين “قرروا المغادرة طوعًا”، وبالتالي إغلاق ملف القضية الفلسطينية.
• بعد فترة، قد تطرح جهات دولية “حلولًا إنسانية” تتضمن إعادة توطين اللاجئين في أماكن أخرى، مما يعني إنهاء حق العودة نهائيًا.
4. تفكيك غزة وتحويلها إلى “منطقة منزوعة السكان”
• إذا تم تنفيذ هذا السيناريو، قد تعمل إسرائيل على إبقاء من تبقى في غزة تحت ظروف مستحيلة، مما يؤدي إلى تفكيك القطاع تدريجيًا.
• هذا يتماشى مع المخطط الصهيوني المستمر منذ النكبة، والذي يسعى إلى إفراغ فلسطين من سكانها الأصليين بأي وسيلة ممكنة.
ما دور المجتمع الدولي؟ وهل هناك تواطؤ؟
• القوى الغربية قد تستخدم الأزمة للضغط على مصر لإبقاء اللاجئين داخل سيناء بدلًا من المطالبة بعودتهم.
• إسرائيل ستروج لهذه الخطوة كـ”حل إنساني”، رغم أنها هي التي صنعت المأساة منذ البداية.
• قد يظهر دعم دولي لإنشاء مخيمات دائمة في سيناء بحجة أنها إجراء مؤقت، لكن التجارب التاريخية أثبتت أن “المؤقت” يتحول إلى واقع دائم.
كيف يمكن إفشال هذا السيناريو؟
1. الرفض الفلسطيني القاطع لأي مخطط للخروج الجماعي من غزة، مهما كانت الظروف.
2. التأكيد على حق العودة وعدم القبول بأي حل يتضمن التوطين خارج فلسطين.
3. تحرك دبلوماسي عربي قوي لمنع أي محاولات لإعادة إنتاج نكبة جديدة عبر سيناريو التهجير.
4. موقف مصري واضح يؤكد رفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين كحل دائم، ورفض الضغوط الدولية في هذا السياق.
5. تعزيز دور المقاومة في منع أي سيناريو يهدف إلى دفع الفلسطينيين للخروج من قطاع غزة، وإحباط أي محاولات لخلق واقع جديد بالقوة.
الخلاصة
تفجير الجدار بين غزة ومصر ليس مجرد احتمال عسكري، بل قد يكون أداة لتنفيذ مخطط تهجير مدروس. إذا حدث ذلك، فقد يصبح النزوح الجماعي مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية. ما لم يكن هناك وعي فلسطيني وعربي كافٍ، فقد نجد أنفسنا أمام واقع جديد لا رجعة فيه، يُسدل الستار على القضية الفلسطينية بحجة الإغاثة الإنسانية.