كشف ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، يوم الجمعة، عمّا تريده حكومة إسرائيل تحديدًا، جاء رده بكلمة واحدة "الأمر معقد"، هذه العبارة المختصرة تختزل المشهد الغامض والمتشابك الذي يلف قطاع غزة منذ اندلاع هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، مرورًا بالحرب الدامية والمفاوضات المتعثرة، وصولًا إلى مستقبل غزة المجهول الذي تسعى كل الأطراف لرسم ملامحه دون اتفاق.
اليوم التالي في غزة
ووفقًا لمواقف القوى المختلفة حيال غزة، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا مما يظهر على السطح، حيث لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا لـ"حماس" ولا للسلطة الفلسطينية أن تحكم القطاع، أما ترامب، فيحلم بتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بلا وجود للسلطة ولا لـ"حماس" وربما بلا فلسطينيين أصلًا.
وفي المقابل، تسعى بعض الدول العربية لتشكيل لجنة مستقلة تتولى إدارة شؤون القطاع، بينما تطمح السلطة الفلسطينية إلى استلام غزة بمفردها، وتطرح "حماس" خيار تشكيل لجنة إسناد تتولى الأمور لاحقًا.
هكذا، يبدو واضحًا أن لا طرفًا يتفق مع آخر على تصور موحد لما سيكون عليه اليوم التالي للحرب في غزة.
حلول بلا توافق ومستقبل مجهول
ويشار إلى أن الحرب التي مضى عليها أكثر من 15 شهرًا، باتت تفرض على الجميع البحث عن حل لا يقل صعوبة عن الحرب ذاتها، إذ تشكل كل من الحرب والحل وجهًا جديدًا للشرق الأوسط المترنح.
وفي هذا الإطار، أشار أحد المسؤولين الفلسطينيين المطلعين، إلى أن التعويل الأكبر لدى السلطة الفلسطينية والدول العربية يرتكز على موقف أميركي واضح وملزم لإسرائيل، موضحًا: "لا اتفاق حتى الآن، ما زالت الأمور بحاجة إلى تسوية وترتيب بين الدول العربية، السلطة الفلسطينية و(حماس)".
وأردف "المسؤول": "الضمان الأساسي هو موقف أميركي ملزم لإسرائيل، إلى جانب دعم عربي ودولي، وتوافق فلسطيني داخلي مع (حماس)، من دون هذه المعطيات، لا يمكن للسلطة أن تتحرك أو تعمل في غزة".
نتنياهو يتهرب من اليوم التالي
وعلى الرغم من اختلاف تصريحات نتنياهو وترامب بشأن اليوم التالي، إلا أن هناك نقاشات أميركية تدور في الخفاء بشأن مستقبل غزة، وسط محاولات لصياغة تصوّر واضح، لكن نتنياهو يرفض الخوض في نقاشات اليوم التالي، إذ أفشل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، لأنها تتناول بشكل مباشر مسألة إنهاء الحرب وما بعدها، رغم نجاح المرحلة الأولى من الاتفاق.
ومن جهته، لفت الكاتب الإسرائيلي أفي شيلون، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أن تجدد القتال في غزة ليس إلا وسيلة للهروب من اتخاذ قرار حاسم بشأن مستقبل غزة، موضحًا: "مصير الرهائن ليس جوهر القصة، القضية الأساسية التي تتجاهلها حكومة نتنياهو تتعلق بما سيحدث في اليوم التالي للحرب. (حماس) عسكريًا هزمت، والسؤال المتبقي: من سيسيطر على غزة؟".
واشنطن تفتح الباب أمام حماس ولكن بشروط
والجدير بالإشارة أن ويتكوف وشيلون يتفقان على أن "حماس" تسعى للبقاء في غزة، وفي تصريحاته المثيرة، أوضح ويتكوف، خلال مقابلة مع الإعلامي تاكر كارلسون على منصة "إكس"، أن بقاء "حماس" بصيغتها الحالية غير مقبول بالنسبة لإدارة ترامب أو لإسرائيل، لكنه لم يغلق الباب تمامًا أمام مشاركتها السياسية إذا ألقت سلاحها.
واستطرد "ويتكوف": "في حال ألقت حماس سلاحها، يمكنهم البقاء والمشاركة سياسيًا، لكن لا يمكن لتنظيم إرهابي أن يدير غزة، فهذا سيعني عودة سيناريو 7 أكتوبر كل عدة سنوات".
وتابع "ويتكوف"، قائلًا: "أخبرت الرئيس ترامب أنني لا أعتقد أن (حماس) متشددة أيديولوجيًا كما يصور عنها، وتوصلت إلى قناعة بأن لديهم استعدادًا للبحث عن بدائل، نحن الآن في مفاوضات قد تفضي لوقف الهجمات وربما إنهاء النزاع عبر الحوار".
حماس ترد: لا نتمسك بالحكم
لم تمر تصريحات "ويتكوف" دون رد من حركة "حماس"، التي علقت عبر الناطق باسمها عبد اللطيف القانوع، مشددة على أن بعض الأفكار المطروحة قيد النقاش مع الوسطاء، والاتصالات لم تتوقف بهدف إتمام الاتفاق.
كما أوضح القانوع: "نحن منفتحون على أي ترتيبات توافقية بشأن إدارة غزة ولسنا معنيين بأن نكون جزءًا منها مباشرة. سبق أن وافقنا على تشكيل لجنة إسناد مجتمعي لا تتضمن الحركة، وما يعنينا هو التوافق الوطني وسنلتزم بمخرجاته".
ووفقًا لما ذكرته مصادر في السلطة الفلسطينية وحركة "حماس"، فإن هذا الموقف تم نقله مرارًا إلى الأطراف العربية، الوسيطين الدوليين، الولايات المتحدة وحتى إسرائيل، في محاولة لإزالة أي ذرائع إسرائيلية لاستمرار الحرب.
خطة عربية قيد التحضير
ويجدر الإشارة إلى أن هذا الانفتاح من "حماس" سمح عمليًا بدفع خطة عربية تقودها مصر، تتضمن رؤية شاملة لليوم التالي، وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قد كشف في وقت سابق عن خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، تشمل تدريب مصر والأردن لعناصر من الشرطة الفلسطينية تمهيدًا لنشرهم بالقطاع.
وبدوره، شدد مصدر من داخل "حماس"، على أن الحركة لا تتمسك بحكم غزة، لكنها تشترط تسليم الحكم بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي وليس قبله، مضيفًا: "نطالب بأن يكون الترتيب فلسطينيًا بحتًا دون إملاءات أميركية أو إسرائيلية، كما أن سلاح الحركة غير مطروح للنقاش إلا في إطار حل يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة".