حمادة فراعنة
لا تقل خطورة مساوئ تأجيل التصويت على تقرير المبعوث الأممي ريتشارد جولدستون، الذي رأس لجنة التحقيق الدولية لانتهاكات جيش المستعمرة الإسرائيلية في حربه وعدوانه على قطاع غزة أواخر عام 2008 أوائل 2009، وتم تأجيل البت به بناء على رغبة فلسطينية استجابة لضغوط أميركية، وبدلاً من إقراره كعنوان إدانة من قبل لجنة حقوق الإنسان الدولية لجرائم المستعمرة، تم تأجيله، ومن ثم نسيانه، وفقد قيمته واثره، وغطاه الإهمال إلى درجة الإلغاء.
الحديث عن تأجيل الانتخابات الفلسطينية بحجة رفض سلطات المستعمرة مشاركة أهل القدس بالانتخابات، حجة وغطاء لعدم الرغبة الحقيقية في مواصلة الإجراءات وصولاً نحو انتخابات المجلس التشريعي الثالث ولذلك تأجيل الانتخابات لا يقل سوءاً عن تأجيل تقرير جولدستون ، كلاهما يمس مسيرة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
سبق لجبريل الرجوب أن طرح أنه ورفاقه أعضاء اللجنة المركزية ليسوا متحمسين للانتخابات بعكس الرئيس محمود عباس المصر على تنفيذ الاستحقاق الدستوري، وعزا الرجوب عدم حماس رفاقه لإجراء الانتخابات خشيتهم عدم سماح المستعمرة لمشاركة أهل القدس، ولم يقل السبب الحقيقي وراء تأجيل الانتخابات وهو وجود قائمتي: الحرية والمستقبل منافستين من موقع قوة وحضور لقائمتة العرجاء، وفشلهم في الحفاظ على وحدة حركة فتح، وعدم التوصل إلى صيغ التفاهم تحفظ لهم خوض الانتخابات بقائمة فتحاوية واحدة.
نجح جبريل الرجوب مع صالح العاروري التوصل إلى صيغة تفاهم بين فتح وحماس، ولكنه فشل ورفاقه في التوصل إلى صيغة تفاهم بين فتح وفتح أي بين قياداتها، لأن الأنانية والذاتية والأحادية طغت على حساب فتح وفلسطين.
مسيرة الانتخابات الفلسطينية قطعت شوطا وسجلت اربعة خطوات ناجحة وهي:
اولا- تسجيل الغالبية العظمى من حملة الهوية الفلسطينية، في سجل الناخبين 93،3 بالمئة، وهو رقم قياسي يعكس جموح الشعب الفلسطيني ورغبته في الانتخابات.
ثانياً - تسجيل 36 قائمة انتخابية متنافسة، مما يعكس احترام القيادات الفلسطينية الحزبية والسياسية والناشطين لخيار الانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بهدف ضخ دماء جديدة في مفاصل المؤسسة الفلسطينية وخاصة المجلس التشريعي والمجلس الوطني وما ينبثق عنهما من مؤسسات: حكومة السلطة، المجلس المركزي، اللجنة التنفيذية.
ثالثا- رفض لجنة الانتخابات المركزية للطعون المقدمة حين قدمت لها 231 طعناً تم قبول طعناً واحداً فقط.
رابعا- رفض محكمة قضايا الانتخابات 29 طعناً قدمت لها، لم يُقبل منها طعناً واحداً، مما يدلل على نزاهة العمل المهني والفني الذي تم إنجازه، ولم تتخد لجنة الانتخابات ومحكمة الانتخابات موقفاً سياسياً أو معارضاً أو متحفظاً نحو القوائم المقدمة.
لهذا الوقت كل الدلائل تشير إلى مواصلة خيار الانتخابات، خاصة بعد تصريح الرئيس مساء يوم الاحد 18/4/2021،أمام اجتماع اللجنة التنفيذية على التمسك بإجراء الانتخابات رغم البطش الإسرائيلي ضد نشاط المرشحين وتحركات القوى السياسية في القدس وتعريضهم للاعتقال والمنع.
العدو الإسرائيلي لا مصلحة له بالانتخابات الفلسطينية أولاً بشأن مكانة القدس، وثانياً لا مصلحة له بتجديد ولاية الرئيس، وتجديد ولاية المجلس التشريعي، وضخ دماء سياسية جديدة لدى المؤسسات الفلسطينية، وثالثاً لأن الانتخابات الفلسطينية بمثابة استفتاء على حق تقرير المصير، فقد سبق لمجالس تشريعية منتخبة مماثلة أن أعلنت استقلالها عن المحتل باعتبارها مؤسسة تمثيلية تعبر عن إرادة الشعب، وهذا ما حصل في السودان مثلاً حيث أعلن المجلس التشريعي الاستقلال وأخرج محتليه البريطانيين الذين رضخوا لرغبة الشعب السوداني عبر مجلسه البرلماني المنتخب.
ولذلك يمكن أن تتحول الانتخابات الفلسطينية إلى خلية نشاط جماعية ومتفرقة، وأداة لمواجهة الاحتلال، وحصيلة في ولادة مؤسسة متصادمة مع الاحتلال بدلاً من التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب.