تحت نيران الاحتلال.. سكان غزة يرون معاناة النزوح مرة أخرى من رفح

نزوح سكان غزة
نزوح سكان غزة

أجبر مئات الآلاف من سكان مدينة رفح، الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، على النزوح من جديد سيرًا على الأقدام بعد أن عادوا إليها خلال شهر رمضان، وذلك إثر الأوامر الإسرائيلية الأخيرة بإخلاء المدينة، وجاء ذلك في ظل أزمة خانقة بسبب ندرة وسائل النقل وارتفاع أسعار الشاحنات والمواصلات بشكل غير مسبوق.

وقد بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في حي تل السلطان غرب رفح مع أول أيام عيد الفطر، وامتدت العملية لتشمل كامل المدينة، حيث صدرت أوامر الإخلاء حتى مشارف مدينة خان يونس ومناطق في المواصي.

ووفقًا للتقارير، منح الجيش السكان مهلة زمنية ضيقة لمغادرة المدينة قبل أن تبدأ القوات الإسرائيلية هجومًا بريًا يستهدف شمال رفح، وهي منطقة لم تنفذ فيها عمليات من قبل، في إطار ما يعتقد أنه توسعة للممر الأمني المعروف بمحور فيلادلفيا، والذي يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر.

اقرأ أيضًا:

السير على الأقدام 

محمد أبو الروس، أحد النازحين حديثًا، تحدث عن معاناته في ترتيب إجراءات الخروج، موضحًا أنه حاول جاهداً تأمين وسيلة نقل لنقل عائلته إلى منطقة المواصي غرب القطاع، وأضاف أن أحد السائقين طلب مبلغ 700 دولار مقابل نقله، بشرط ضم عائلة أخرى معه، وعلى الرغم من صعوبة الشروط، وافق محمد، إلا أن السائق تراجع لاحقًا بحجة نفاد الوقود وارتفاع سعره في السوق السوداء، وهو ما تجاوز قدرته المالية.

وتابع أبو الروس قائلاً إنه لم يجد بديلًا سوى النزوح مشيًا على الأقدام لمسافات طويلة، حاملاً معه أقل القليل من الأغراض الضرورية، واضطر إلى ترك معظم المتعلقات الثقيلة حفاظًا على أرواح أطفاله وعائلته.

من جهته، أكد خالد أبو كميل، أحد سكان رفح، أن عدد الشاحنات المتوفرة لإجلاء الناس محدود للغاية، ويتعمد السائقون استغلال حاجة الأهالي للنزوح من خلال فرض أسعار مبالغ فيها تفوق قدرة السكان.

وأوضح أبو كميل أنه، ومع أفراد أسرته وعدد من جيرانه، اضطروا جميعًا للنزوح مشيًا وسط مشقة شديدة، بعد أن أرهقتهم الحرب والنزوح المتكرر من مكان إلى آخر.

وأضاف أن الرحلة إلى خان يونس كانت مرهقة للغاية واستغرقت ساعات طويلة، بينما لم يتمكن الأطفال من تحمل صعوبتها، حتى أن أصحاب العربات التي تجرها الحيوانات طلبوا مبالغ مرتفعة لنقل الأهالي نحو المناطق التي تعد "آمنة" وفق تصنيف الجيش الإسرائيلي، وتابع بأسى: "نفر من القصف والموت، لنواجه قهر النزوح وصعوبة الحياة".

قسوة النزوح

أما أحمد أبو الحمص، فقد أكد أنه قرر منذ اللحظة الأولى لهجوم الجيش الإسرائيلي أن يغادر دون انتظار، فقام بتفكيك خيمته التي كان يقيم فيها بجوار بيته المدمر بحي الجنينة شرق رفح، وغادر سيرًا مع زوجته وأطفاله الخمسة ووالدته الطاعنة في السن، وأشار إلى أنه عانى سابقًا من استغلال سائقي الشاحنات وعدم التزامهم، لذا قرر ألا يخضع لتلك المعاناة مرة أخرى.

وأوضح أن اثنين من أشقائه بقوا في المدينة لعدم قدرتهم على النزوح، سواء بسبب ضعفهم البدني أو عجزهم عن دفع تكاليف النقل، في حين استمرت رحلته مشيًا مع أسرته، والتي كانت أبطأ من غيرها بسبب وضع والدته الصحي، وقال: "في الطريق شاهدنا آلاف النازحين مثلنا، ولم يقدم أحد لهم يد العون... كنا نواجه قسوة النزوح وحدنا".

الحرب على غزة

وتشير التقديرات الفلسطينية إلى أن مدينة رفح كانت تضم نحو 300 ألف نسمة قبل الحرب، لكنها استوعبت خلال الأشهر الماضية ما يقارب 1.5 مليون نازح من مختلف مناطق القطاع، بعد أن لجأوا إليها بحثًا عن ملاذ آمن. 

ومنذ مايو الماضي، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية مطولة داخل المدينة استمرت تسعة أشهر، وهي الأطول منذ بداية الحرب ضد حركة حماس، وحتى بعد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، لم تتوقف العمليات العسكرية في المدينة.

وفي ظل هذا التصعيد المتواصل، باتت العودة إلى رفح أمرًا مستحيلًا لكثير من الأهالي الذين اضطروا للبقاء في خيام داخل مناطق مثل خان يونس والمواصي ودير البلح وسط القطاع. 

أما من عاد منهم في اليومين الماضيين فقد اضطر للنزوح مجددًا تحت وقع التهديدات الجديدة، وسط معاناة متزايدة وأمل يتآكل في الوصول إلى الأمان.

سكاي نيوز