وحشية بالغة.. منظمة أممية تصف قطاع غزة بـ "مقبرة جماعية" 

الوضع في غزة
الوضع في غزة

في تقرير صدر اليوم الأربعاء، عبّرت منظمة "أطباء بلا حدود" عن إدانتها الشديدة لما وصفته بالكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يشهدها قطاع غزة، معتبرة أن القطاع قد تحوّل إلى "مقبرة جماعية" ليس فقط للفلسطينيين، بل أيضًا لأولئك الذين يحاولون تقديم المساعدة لهم في ظل الهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ ما يزيد عن 18 شهرًا.

وأكدت المنظمة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كثفت من عملياتها العسكرية على قطاع غزة برًا وجوًا وبحرًا، ما أسفر عن موجات جديدة من التهجير القسري للسكان، مع تعمد منع دخول المساعدات الإنسانية الأساسية، وهو ما وصفته المنظمة بأنه تدمير ممنهج لحياة الفلسطينيين واستهداف مباشر لسبل صمودهم وبقائهم

وحشية بالغة

وأشارت "أطباء بلا حدود" إلى أن سلسلة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة اتسمت بوحشية بالغة، حيث تم تجاهل قواعد القانون الدولي بشكل صارخ، وبدا ذلك جليًا في عدم الاكتراث بأمن وسلامة العاملين في المجالين الإنساني والطبي داخل القطاع.

اقرأ أيضًا:

وفي هذا السياق، طالبت المنظمة بضرورة رفع الحصار القاتل وغير الإنساني المفروض على غزة بشكل فوري، داعية إلى حماية أرواح المدنيين والعاملين في مجالي الإغاثة والطب، كما شددت على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والحفاظ عليه من قِبل جميع الأطراف المعنية.

وقالت أماند بازيرول، منسقة الطوارئ في "أطباء بلا حدود" العاملة في غزة، إن القطاع بات بمثابة مقبرة جماعية مفتوحة للمدنيين، موضحة أن عمليات التدمير والتهجير القسري تطال اليوم سكان غزة كافة، في ظل غياب أي بقعة آمنة تحتمي بها العائلات أو العاملون في المجال الإنساني. 

وأكدت أن الاستجابة الإنسانية أصبحت تواجه تحديات غير مسبوقة، نتيجة لانعدام الأمن ونقص الإمدادات الحاد، ما يجعل فرص الحصول على الرعاية الصحية الأساسية شبه معدومة.

50 ألف شهيد

ووفقًا لما نقلته وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد الضحايا منذ أكتوبر 2023 تجاوز 50 ألف شهيد، بينهم عدد كبير من الأطفال يقدر بنحو الثلث، ومنذ تجدد الأعمال العدائية في 18 مارس، أضيف أكثر من 1,500 شهيد آخر إلى هذه الحصيلة، وفق ما أكدته السلطات المحلية.

كما أوضح التقرير أن العاملين في مجال الإغاثة لم يكونوا في مأمن من آلة الحرب، إذ قتل ما لا يقل عن 409 من العاملين الإنسانيين، معظمهم من موظفي وكالة الأونروا، التي تعتبر الجهة الرئيسية المسؤولة عن تقديم المساعدات في القطاع. 

ولفتت المنظمة إلى أنها فقدت 11 من موظفيها منذ بدء الحرب، بينهم اثنان سقطا خلال الأسبوعين الأخيرين فقط، أثناء أداء واجبهم الإنساني.

قتل المسعفين في رفح 

وفي جريمة جديدة هزت الأوساط الإنسانية، ذكرت "أطباء بلا حدود" أنه في 30 مارس، تم اكتشاف جثامين 15 مسعفًا كانوا قد اختفوا خلال مهمة إنقاذ في رفح، وقد تم العثور عليهم مع سيارات الإسعاف التي كانوا يستقلونها مدفونة في مقبرة جماعية. 

وأظهرت التحقيقات الأولية أن هؤلاء استشهدوا برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الوصول إلى مدنيين تعرضوا للقصف يوم 23 مارس.

وأشارت المنظمة إلى أن الأدلة التي توفرت لها تثبت أن سيارات الإسعاف كانت تحمل إشارات واضحة تعرفها كوسائل طبية، ما يتنافى مع تبريرات الجيش الإسرائيلي التي حاولت التملص من المسؤولية.

من جهتها، صرحت كلير ماغون، المديرة العامة للمنظمة في فرنسا، بأن استهداف الطواقم الإنسانية بهذا الشكل يظهر استهتارًا بالغًا من قبل إسرائيل بكل القواعد الإنسانية، وأضافت أن صمت المجتمع الدولي، وتحديدًا الحلفاء المقربين من إسرائيل، وسكوتهم عما يجري، يشجعان على استمرار هذه الانتهاكات.

تحقيقات دولية

وفي هذا الإطار، شددت "أطباء بلا حدود" على ضرورة إجراء تحقيقات دولية ومستقلة للكشف عن المسؤولين الحقيقيين عن هذه الجرائم، مؤكدة أن التحقيقات الداخلية أو ذات الطابع السياسي لا يمكن أن تفي بالغرض.

وأضاف التقرير أن الوضع الميداني يزداد تدهورًا يومًا بعد يوم، مشيرًا إلى أن الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت مقتل عدد من العاملين في المجالين الطبي والإنساني، في ظل انهيار شبه كامل لنظام الإخطار الإنساني المعتمد على التنسيق مع السلطات الإسرائيلية، الذي أصبح يفتقر إلى أي ضمانات حقيقية للحماية.

وأكدت المنظمة أن العديد من المواقع التي أبلغت القوات الإسرائيلية بوجود طواقم طبية وإنسانية فيها قد تعرضت لهجمات مباشرة، سواء بالقذائف أو الرصاص، بما في ذلك مقرات المنظمة ومراكزها الصحية ومرافق إيواء العاملين.

كما شملت الاعتداءات مناطق ملاصقة للمراكز الصحية، وأُجبرت الطواقم على إخلاء عدد من المرافق، فيما بقي بعض الموظفين والمرضى محاصرين داخل مستشفيات بات من المستحيل مغادرتها بأمان.

كما سلط التقرير الضوء على الأزمة الحادة في الإمدادات، حيث أدى الحصار الكامل المفروض على غزة إلى استنفاد جميع المخزونات الحيوية من غذاء ووقود وأدوية. 

نقص الأدوية

وواجهت "أطباء بلا حدود" بشكل خاص نقصًا كبيرًا في الأدوية الخاصة بتسكين الألم، وعلاج الأمراض المزمنة، والمضادات الحيوية، والمواد الجراحية الضرورية.

وأشار التقرير إلى أن انقطاع الوقود أدى إلى تعطيل عمل العديد من المستشفيات، التي تعتمد بشكل أساسي على المولدات الكهربائية لتشغيل غرف العمليات والحفاظ على حياة المرضى في العناية الفائقة.

وفي ختام التقرير، صرحت بازيرول بأن السلطات الإسرائيلية منعت عمدًا دخول المساعدات إلى غزة لأكثر من شهر، ما وضع العاملين في المجال الإنساني أمام مهمة مستحيلة: إنقاذ الأرواح دون أدوات، وسط ظروف أمنية مميتة، وبإمدادات أوشكت على النفاد بالكامل. 

وأضافت: "هذا ليس فشلًا إنسانيًا عرضيًا، بل هو قرار سياسي واضح، وهجوم ممنهج على قدرة شعب بأكمله على البقاء"، مؤكدة أن هذه الممارسات تنفذ دون أدنى محاسبة.

وطالبت المنظمة في ختام تقريرها بضرورة إنهاء سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل بحق الفلسطينيين، داعية حلفاءها الدوليين إلى التوقف عن دعم هذه الانتهاكات، ووقف تواطئهم الذي يسهل تدمير حياة سكان غزة.

سكاي نيوز