حياة معلّقة على مفهوم البيت وخسارته

نداء يونس

حياة معلّقة على مفهوم البيت وخسارته

"الملائكة لا تحيا طويلاً" لهند البكاي لهبيل... صوت قادم من الموت من المقال كتبت: نداء يونس: لم يكن صدور هذا العمل عن دار 'الآن ناشرون وموزعون' في الأردن، بعد أعوام من رحيلها عام 2015 عن عمرٍ ناهز الحادية والثلاثين، مجرد حدثٍ عابر. كانت هذه الولادة المتأخرة لما كتبته هند البكاي لهبيل في لحظات الاحتضار بمثابة وثيقة شخصية وسياسية، وصرخة إنسانية واعية، امتزج فيها صوت الكاتبة بصوت المريضة في لحظة مواجهة حاسمة مع الحياة. جاء هذا الإصدار بتقديم من الباحثة والإعلامية هدى البكاي لهبيل، شقيقة الراحلة، التي جمعت النصوص وقدّمتها بمحبّة ووجعٍ نبيل، وبحسٍّ شعري ينسجم مع نبض النصوص. وبينما يستحضر العنوان "الملائكة لا تحيا طويلاً"، الذات ككائن هشّ وملائكي في عالم مفترس، فإنه يكشف البعد الرمزي للموت السريع للجمال في هذا العالم، ومن هنا يتحول اللعب على الغياب من البعد الشخصي للمرض الذي هدد جسد هند - البيت الفيزيائي، إلى البعد العام حيث الحب، والجمال، والحياة، وفلسطين بيوت رمزية مهددة دائمًا بالحرب والخذلان. وبالتالي، فهي تكتب الجرح لا عنه، وتجعل من المعاناة الجسدية مرآة للمعاناة الجماعية. البيت كما تكتبه هند يمثِّل ذاكرة حية وحميمية، ومنفى للذاتين الخاصة والجمعية، وزمن مفقود، والأهم من ذلك، أنه فضاء هجين وأرض للتحولات. وإذ يشكِّل الجسد والوطن والحب بيوتًا هشةً في عالمنا العربي، تتحول اللغة لديها إلى مأوى، والكتابة إلى فضاء للحماية والمواجهة وإعادة الاعتراف. في عملها، تدرك هند بقوة معنى خسارة البيت: الجسد والوطن والحلم والانتماء، لذلك تصرخ من أعمق نقطة في ضعفها "سأعود إليّ/ إلى بدني.. إلى وطني/ إلى ليلي.. إلى قمري/ إلى عيني الله الواسعتين". ومن هذا المنطلق، يشكِّل عملها "الملائكة لا تحيا طويلاً" شهادةً رؤيوية على زمن متشظٍ وحياةٍ معلّقة على مفهوم "البيت" وخسارته، بمعنييه الفيزيائي والرمزي. ففي نصوص المغربية الراحلة هند البكاي لهبيل، يتحول البيت إلى مجاز كثيف يتقاطع فيه الزمن بالمكان، والحميمية بالفقد، ويعكس معانٍ متعددة: الانتماء، الهوية، الذاكرة، المنفى، الجسد، اللغة؛ فالبيت هنا ليس المكان بمعناه المجرد، بل الحامل لرمزية عالية يُعيد الشعر تشكيلها من خلال الانتقال بين الذاتي والعام، واللذان يتحولان بدورهما إلى مرايا لبعضها البعض. ففي سياق المنفى واللجوء، يحمل البيت رمزية الوطن المستعمَر والهوية المتشظية، وفي سياق المرض والموت، يحمل البيت رمزية الجسد المهدّد، وفي سياق الحرب واللجوء، يحمل البيت رمزية الدمار والخيمة، وفي الحب، يحمل البيت رمزية الحبيب (والخذلان)، وفي اللغة، تحمل القصيدة رمزية البيت كمكان بديل. وبالمجمل، يحمل البيت في هذه النصوص رمزية الحياة في مدن الرماد حيث نتقاسم "الحب والأمل والضياع". البقية على وطن ... محبتي

البوابة 24