غزة – خاص – البوابة 24 – رشا أحمد:
في ظل أجواء الموت والدمار التي تخيم على قطاع غزة، تتفاقم معاناة المدنيين يوماً بعد يوم، وسط واحدة من أفظع الأزمات الإنسانية التي تمر بها المنطقة. أصبحت مشاهد الركام والأنقاض سيدة الموقف في معظم أحياء القطاع، بعدما دُمّرت مئات الآلاف من البيوت بفعل القصف العنيف، وتحولت الجدران المتصدعة إلى شبح يلاحق سكانها مع كل لحظة تمر. لم يعد الخطر يقتصر على القصف المباشر، بل باتت المنازل المدمرة جزئيًا قنابل موقوتة تهدد حياة الآلاف الذين لا يملكون مأوى آخر غيرها.
غزة تحت الأنقاض: معاناة المدنيين بعد تساقط الجدران
في مشهد يلخص حجم الكارثة، يقف الفلسطينيون اليوم وجهاً لوجه أمام خطر الموت تحت أنقاض منازلهم. آلاف البيوت التي نجت من التدمير الكامل تعرضت لتصدعات بالغة جراء الغارات الجوية والقصف المدفعي، ما جعلها قابلة للانهيار في أي لحظة. يعيش السكان في حالة من الرعب الدائم، بين جدران متصدعة تهددهم بالسقوط في أية لحظة.
تقول سهام محمود، مسنّة تبلغ من العمر 68 عاماً من حي الأمل غرب محافظة خانيونس: "في لحظة واحدة، تحول منزلي إلى كومة أنقاض. لم أعد أستطيع حتى التعرف على المكان الذي كنت أعيش فيه. كل شيء انهار أمام عيني في ثوانٍ معدودة."
كلمات سهام تختصر مأساة آلاف العائلات التي أصبحت حياتها على المحك. أما نجلاء أحمد، وهي مواطنة تبلغ من العمر 32 عامًا، فتصف مشاعر الخوف التي تحاصرها وعائلتها بقولها:"نخشى أن تنهار الجدران فوق رؤوسنا في أي لحظة. كلما سمعنا صوت تصدع أو اهتزاز، نشعر وكأنها النهاية. أصبحنا نعيش كل يوم وكأنه اليوم الأخير في حياتنا."
ليست هذه الشهادات معزولة، بل تعكس حقيقة مريرة يعيشها معظم سكان القطاع. العديد من الأسر الفلسطينية اليوم تقيم داخل بيوت متصدعة مهددة بالانهيار، مجبرة على التعايش مع الخطر لغياب البدائل، في ظل أوضاع إنسانية مأساوية ونقص حاد في الملاجئ الآمنة.
انهيار المباني: خطر دائم يهدد الأرواح
يحذر م. سرحان، الوكيل السابق لوزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، من أن خطر انهيار المباني المتصدعة لا يزال قائمًا، قائلاً: "خلال حرب الإبادة الأخيرة، انهار أحد المباني المتضررة جزئيًا على قاطنيه من عائلة (أبو العمرين)، مما أدى إلى استشهاد 13 فردًا من الأسرة دفعة واحدة."
وأضاف سرحان أن المئات من الفلسطينيين ما زالوا مضطرين للإقامة داخل منازلهم المتضررة رغم علمهم بالخطر الداهم، نظرًا لعدم توفر بدائل سكنية آمنة لهم.
أرقام كارثية: ركام بلا حدود وشهداء تحت الأنقاض
تشير آخر التقديرات إلى أن كمية الركام الناتج عن العدوان في قطاع غزة تجاوزت 58 مليون طن، ما يجعل عملية إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار تحديًا هائلًا.
ووفقًا لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، فقد دُمِّر أكثر من 70% من منازل القطاع — أي نحو 300 ألف منزل — فيما تعرضت 70% من الطرق والبنى التحتية للدمار الكامل أو الجزئي.
أما على صعيد الضحايا، فقد سجلت وزارة الصحة في غزة أن نحو 350 شهيداً سقطوا جراء انهيار مبانٍ متصدعة أو تساقط الجدران فوق رؤوس ساكنيها خلال الشهور الأخيرة، في مأساة صامتة لا تتصدر عناوين الأخبار لكنها تحصد أرواح الأبرياء يوميًا.
سباق مع الزمن !!
رغم الإمكانات المحدودة، تواصل فرق الدفاع المدني في غزة العمل ليل نهار في محاولة لإنقاذ الضحايا وانتشال العالقين من تحت الأنقاض.
يقول أحد أفراد الدفاع المدني للبوابة 24: "نعمل بأدوات بدائية وإمكانات شبه معدومة. كل عملية إنقاذ هي سباق مع الزمن لإنقاذ الأرواح. للأسف، كثير من الضحايا نفقدهم قبل أن نصل إليهم بسبب نقص المعدات المتخصصة."
بلدية خانيونس: تحديات تفوق القدرة
من جانبها، أكدت بلدية خانيونس أن إزالة الركام الهائل الذي خلفه القصف يشكل تحديًا كبيرًا أمام تقديم الخدمات الأساسية وإعادة إعمار المدينة.
يقول أحد مسؤولي البلدية: "نحن نواجه صعوبات يومية في إزالة الأنقاض وفتح الطرق. الإمكانيات المتوفرة لدينا محدودة للغاية مقارنة بحجم الدمار. هناك حاجة ماسة لدعم دولي حقيقي لإعادة الحياة إلى المدينة."
نداء إنساني عاجل
بينما تواصل منظمات الإغاثة الإنسانية تقديم الدعم، يبقى الوضع في غزة بحاجة إلى تدخل عاجل وكبير.
أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني أصبحوا بلا مأوى آمن، وآلاف العائلات تقيم بين أنقاض منازلها المهددة بالانهيار، فيما يلوح شبح كارثة إنسانية أكبر إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه دون تحرك دولي جاد وسريع.
في غزة، لم تعد الحرب مجرد صواريخ تتساقط أو طائرات تحلق في السماء؛ بل أصبحت مأساة مستمرة تتجسد في كل زاوية من زوايا الحياة. تحت كل ركام قصة إنسانية، وتحت كل حجر شهيد حلم بغدٍ أفضل. مع كل جدار متصدع، يعيش الفلسطينيون حالة من الترقب والخوف، بين انتظار الموت وبين التشبث بالحياة رغم كل الظروف.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج قطاع غزة إلى أن يسمعه العالم، أن يرى هذه الأرواح العالقة بين أنقاض البيوت، وأن يتوقف عن التعامل مع مأساة هذا الشعب كأرقام في تقارير إخبارية. غزة تنزف، وأهلها يقاتلون للبقاء وسط ركام المنازل والكرامة، في انتظار فجر جديد يعيد إليهم بعضًا من حقهم في الحياة الآمنة والكريمة.