الغزيون بين خيارين مستحيلين: البقاء تحت القصف أم النزوح إلى المجهول

نزوح المواطنين من منازلهم في غزة
نزوح المواطنين من منازلهم في غزة

غزة/ البوابة 24- سماح شاهين:

في ليلة حالكة وجد الغزيون أنفسهم أمام خيارين قاسيين، إما البقاء والموت داخل مدينة غزة أو النزوح هربًا من الخطر. كثيرون اضطروا لدفع كل ما يملكون لوسائل النقل، فيما سار آخرون على الأقدام نحو وسط وجنوب القطاع. وعلى طول شارع الرشيد الساحلي، الذي كان شريانًا حيويًا من الشمال إلى الجنوب، تحوّل المشهد إلى مأساة صامتة؛ شاحنات وسيارات مهترئة محمّلة بالفُرش والخشب والمستلزمات البسيطة، تحمل في طياتها بيوتًا تُهدم لتنصب في خيام، فيما القلوب مثقلة بالتعب والقلق من مستقبل مجهول ينتظرهم.

أمل عوض من الذين نزحوا تحت زخات الرصاص من مخيم الشاطئ، استشهد شقيقها أمام المنزل أثناء نقل أغراضهم إلى الشاحنة، اضطروا لدفنه في ساحة المنزل لعدم قدرتهم الذهاب إلى المقبرة في حي الشيخ رضوان.

تروي أمل لـ"البوابة 24": "بعد تنقلنا لأكثر من مكان في المدينة آخرها مخيم الشاطئ إلا أنه لم يتبقَ لنا مكان آخر قرر شقيقي الأكبر النزوح إلى الجنوب للمرة الأولى منذ بدء الحرب على غزة".

وتضيف: "بعد معاناة وجد شقيقي أحمد شاحنة بسعر باهظ أربعة آلاف شيكل، وافقنا قبل رفع الأسعار أكثر والخروج من الخطر قبل أن نخسر أحدًا من العائلة ولكن فقدنا شقيقي الذي كان يريد حمايتنا".

وتشير أمل إلى أن النزوح من غزة كأنه حكم بالإعدام علينا، لم يتبقَ لهم خيارًا آخر سوى النزوح، فهذه المرة صعبة جدًا لا يمكن التنقل من بين المناطق كالمرة الأولى.

وتتأمل بأن تعود إلى مدينة غزة وأن لا تطول فترة النزوح كي لا تزداد معاناتهم، مطالبًة بالضغط على إسرائيل لوقف العملية العسكرية على مدينة غزة ووقف الحرب.

مشيًا على الأقدام

اضطرت بعض عائلة سمير عدوان بالنزوح مشيًا على الأقدام والنصف الآخر في وسيلة نقل تشاركوا مع عدة عائلات الأجرة، فجميع الخيارات لهم كانت صعبة.

يقول سمير لـ"البوابة 24": "مرات نزوحنا لا تُحصى تنقلنا عشرات مرات وعدنا للنزوح مرة أخرى إلى جنوب غزة، كنا نريد البقاء كالذين بقوا في المرة الأولى لكن هذه مختلفة جدًا بعدما اتبع الجيش الإسرائيلي أساليب أخرى لتشريدنا كطائرات كواد كابتر ونسف المربعات السكنية عن طريق الروبوتات".

ويلفت إلى أنّ البقاء في المدينة ثمنه الموت فكان لديه بصيص من الأمل بعد رفض الآلاف النزوح من المدينة ولكن الاحتلال أفرغ المئات منها بعد تكثيف غاراته للأبراج والمنازل والخيام.

 ويتساءل سمير: "إلى متى سنبقى ننزح من مدينتنا؟ إلى متى ستستمر الحرب ونخسر منازلنا وأقاربنا وأصدقائنا؟".

ويعرب عن أمله بأن تكون هذه المحطة الأخيرة للحرب والنزوح فإسرائيل تزعم بشكل يومي بأن غزة لا زالت تشكل خطرًا عليها، والعالم أجمع عليه أن يدرك أننا مدنيون فقط نريد العيش بأمن وسلام.

خيار البقاء

وفي شهر أيلول (سبتمبر) الجاري أصدر الجيش الإسرائيلي قام بإلقاء مناشير لسكان مدينة غزة بكل أحيائها ومناطقها وشوارعها ومربعاتها السكنية حتى البحر، طالبهم فيه بإخلاء منازلهم وخيامهم على الفور، جاء فيها: "غادروا فورًا مدينة غزة وتوجّهوا جنوبًا إلى منطقة المواصي التي اعتبرت منطقة إنسانية".

دينا منصور من الذين قرروا البقاء في مدينة غزة على الرغم من معرفة مصيرهم، لعدم إمكانيتهم العثور على أماكن لوضع خيامهم وارتفاع أسعار إيجار الشقق.

 تسرد دينا لـ"البوابة 24": "عشنا تجربة النزوح في المرة الأولى ولكن لم نعش مثل هذه التجربة صعوبة النقل والعثور على أماكن للعيش فيها، والوضع في مدينة غزة خطر جدًا ولكننا نفضل الموت عن النوم في الشوارع".

وتبيّن أن الجيش الإسرائيلي يدعي بوجود أماكن إنسانية وهي غير كافية والمئات من العائلات لا زالت تنام في الشوارع دون مأوى خاصة الأطفال وكبار السن".

ويتنقل زوج دينا يوميًا من الشمال إلى الجنوب على أمل العثور على أراضٍ فارغة لنصب خيامهم، وبعض أصحاب الأراضي يطلبون إيجارات للعيش فيها ويرفض لعدم قدرته على العمل بعد فقدانه منذ بدء الحرب على غزة.

وتدعو دينا المواطنين في جنوب ووسط غزة بفتح أراضيهم بشكل مجاني للعائلات التي لا زالت في مدينة غزة: "تكاليف النزوح والعثور على مكان صعب جدًا".

حال دينا لا يختلف كثيرًا عن أنس المصري، فالآخر غير قادر على دفع تكاليف النقل ولا يوجد مكانًا للعيش فيه مع عائلته المكونة من 20 شخصًا.

نزح أنس من منطقة النصر قبل خمسة أيام إلى منطقة أبو مازن بعد أن اشتد الوضع في المنطقة وتكثيف الغارات في المنطقة واستشهاد وإصابة أحد أقاربه الذين نزحوا إلى منزله، والآن لا يستطيعون النزوح بسبب ارتفاع أسعار النقل وعدم وجود مأوى لهم. 

يقول لـ"البوابة 24": "للمرة الأولى أشعر بالعجز وأبكي على حالنا خاصة في ظل وجود أطفال يبكون ويخافون عند سماعهم القصف لا نستطيع النزوح مشيًا على الأقدام، ونتمنى نبقى على قيد الحياة".

ويلفت إلى أنه توقع بأن تبقَ أماكن يستطيعون النزوح داخل المدينة كالاجتياح الأول، ولكن الجيش الإسرائيلي بدأ عمليته بقوة أفرغ المناطق من سكانها، ومن بقى في غزة كحالنا لا يوجد لديه مأوى وغير قادر على دفع التكاليف للتنقل.

ويردف: "أن تكون بين خيار البقاء أو النزوح من أصعب المراحل التي وصلنا إليها"، متسائلًا: "من أين نجلب المال لأصحاب الشاحنات الذين لم يراعوا ظروفنا؟ من أين نخترع مأوى لنا للنزوح مرة أخرى؟".

ويكمل قوله إن هذه الحرب طال أمدها كثيرًا مرغمين على التحمل والعيش في هذا الوقع الذي فُرض علينا، مشيرًا إلى أنّهم في يعانون من قلة المياه والغذاء وصعوبة في التنقل بين المناطق. 

الغزيون اليوم بين نزوح ينهكهم وبقاء يهدد حياتهم. تعددت معاناتهم بين فقدان الأحبة والسير بلا مأوى، لكنهم يجتمعون على الصمود بانتظار وقف الحرب واستعادة حقهم في حياة آمنة وكريمة.

البوابة 24