بين التهدئة والتصعيد.. إسرائيل تتحضر لمرحلة جديدة في غزة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتسارع تداعيات الأزمة السياسية والاجتماعية في الداخل الإسرائيلي، لتطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذه الحرب وإلى أين يأخذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فهل لا تزال لدى الحكومة الإسرائيلية رؤية تتجاوز منطق "الاجتياح والانسحاب"؟

منذ 7 أكتوبر، ظهر أن إسرائيل اختارت الخيار العسكري الواسع باعتباره "الحل الأوحد" لاستعادة الردع والهيبة، إلا أن شهور التصعيد والدمار لم تسفر حتى اللحظة عن نصر واضح، ولا عن تحرير الرهائن، ولا عن خطة متكاملة للتعامل مع "اليوم التالي" في غزة.

نتنياهو بلا خطة.. وإسرائيل بلا أفق

وفي هذا الإطار، وصف الباحث في معهد ترومان للسلام في الجامعة العبرية، روني شاكيد، المشهد السياسي والعسكري بأنه "هش"، مشيرًا إلى إن إسرائيل دخلت هذه الحرب بدافع الغضب وخرجت إلى ضباب كثيف من اللايقين، فحتى الآن، لا أحد في الحكومة يملك إجابة واضحة: هل الهدف هو القضاء على حماس؟ استعادة الرهائن؟ السيطرة على غزة؟ هذه الأسئلة تطرح باستمرار دون أن تحظى بإجابات.

وأردف "شاكيد"، في حديثه لبرنامج "التاسعة" على قناة سكاي نيوز عربية، أن ما يجري في الواقع هو "تخبط مُنظم"، حيث تدار الأزمة بأقل قدر من التخطيط وبأعلى مستوى من الشعبوية. 

وأشار "شاكيد"، إلى أن غياب تصور سياسي لما بعد حماس، وافتقار الساحة الفلسطينية إلى بديل معترف به، فضلًا عن غياب أي توافق دولي أو داخلي بشأن سيناريوهات الاحتلال، يكشف عن فشل استراتيجي عميق تخشاه الحكومة وتتهرب من مواجهته.

الشارع يغلي.. من صدمة الرهائن إلى صراخ العائلات

أما في الشارع الإسرائيلي، أصبحت الجنائز العسكرية والمظاهرات الجماهيرية منذ أسابيع تعبيراً مباشراً عن تصدع الإجماع القومي، فقد انتشرت مشاهد لأمهات تبكين أمام مبنى الكنيست، وهتافات أطلقت من عائلات الرهائن وصفت نتنياهو بـ"الخائن"، في مؤشر واضح على الانفصال العميق بين السلطة والمجتمع.

ومن جهته، قال أحد آباء الرهائن في مظاهرة أمام وزارة الدفاع: "أعادونا إلى الحرب، ولم يعيدوا أبناءنا"، متهماً نتنياهو بالتهرب من التفاوض الجاد وكسب الوقت على حساب الدماء والثقة.

كما غير الإعلام العبري، المعروف بمواقفه المتوافقة مع الأجندة الأمنية، نبرته، لافتًا إلى ما وصفه بـ"مأزق قيادي يتكرر يومياً في غزة، دون نتائج سوى المزيد من الألم".

في الميدان.. اجتياحات لا تنهي المعركة

كما أعادت القوات الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، اجتياح مخيم جباليا شمال قطاع غزة، رغم إعلانها في وقت سابق أنها سيطرت عليه بالكامل، وتساءل "شاكيد": "هل نحن أمام تكرار عمليات بلا جدوى؟ إذا كنا نعود لنقطة البداية، فماذا أنجزنا؟".

وأكد "شاكيد"، أن غياب النتائج الميدانية يضعف صورة الجيش في نظر جمهوره، ويفقد العملية العسكرية شرعيتها السياسية، موضحًا أن هذا الوضع قد يؤدي إلى أزمة متفاقمة بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية.

وفي المقابل، تستمر فصائل المقاومة الفلسطينية تنفيذ عمليات نوعية، ما يشير إلى استمرار قدراتها القتالية، وتؤكد التقارير العسكرية الإسرائيلية أن "القيادة المركزية لحماس لا تزال تعمل من تحت الأرض"، الأمر الذي يقوض السرديات الرسمية حول التقدم العسكري.

مفاوضات القاهرة.. وأوهام التقدم

ومع استمرار الضغوط الدولية المتزايدة، تحاول إسرائيل الإيحاء بأن مفاوضات تبادل الأسرى في القاهرة تحقق تقدماً، إلا أن "شاكيد" يحذر من الانسياق وراء هذا التفاؤل المفرط، قائلاً إن "الحكومة تدرك أن أي اتفاق سيتطلب وقف إطلاق النار، وهو ما لا ترغب به خشية فقدان أوراقها السياسية".

ويعتقد "شاكيد"، أن الحكومة تراهن على عامل الوقت لا على الحلول الواقعية، ما يجعلها تُغامر بكل شيء: حياة الجنود، ثقة الجمهور، وصورة إسرائيل على الساحة الدولية.

أزمة ثقة متفاقمة

في خضم هذا المشهد، تظهر أزمة أعمق وهي أزمة الشرعية الأخلاقية، فالعالم لم يعد ينظر إلى الحرب في غزة باعتبارها "دفاعاً عن النفس"، بل بات يتحدث بوضوح عن "الإفراط في استخدام القوة"، و"العقاب الجماعي"، و"الانهيار الإنساني".

ولفت "شاكيد"، إلى أن إسرائيل تخسر في المعركة الإعلامية كما تخسر في الميدان، محذراً من أن هذه الخسارة قد تمتد لعقود مقبلة، وتؤثر على علاقات إسرائيل مع أوروبا والعالم العربي، بل ومع المجتمع الإسرائيلي نفسه بتنوعه الداخلي.

إلى أين يقود نتنياهو إسرائيل؟

 وفي ظل هذا المشهد المعقد والمتداخل، لا تبدو إسرائيل في حرب ضد عدو خارجي فحسب، بل هي في مواجهة داخلية متصاعدة مع أزمة رؤية وقيادة.

وفيما تستمر العمليات العسكرية في غزة، يتضاعف الغضب في الشارع الإسرائيلي، وتتهاوى الشعارات أمام الواقع السياسي والعسكري المرتبك. 

والجدير بالذكر أن نتنياهو، الذي اعتاد تقديم نفسه كضامن للأمن القومي، يقف الآن أمام عدادات الزمن والرهائن والخسائر، وسط تساؤلات لا إجابات حاسمة لها: إلى متى تستمر هذه الحرب؟ وما الثمن الذي ستدفعه إسرائيل داخليًا وخارجيًا؟

سكاي نيوز