غزة/ البوابة 24- ريم سويسي:
تنهيدةٌ طويلة أطلقتها يُسرى، المكناة أم أحمد، عندما رأت زوجها يدخل خيمة ضرّتها (أم الولد) بكيسٍ من الخضار الذي تشتهيه وبناتها منذ فترة.
السيدة البالغة من العمر 40 عامًا، تحدثت عن شعورٍ بالعجز يلازمها منذ تزوج زوجها عليها قبل 3 سنوات؛ لينجب ولدًا، بعدما أنجبت هي له سبعًا من البنات.
تقول لـ"البوابة 24": "لم أشعر منذ ذلك اليوم بأنه يعدل بيننا. لقد أنجبت له ضرتي ابنة الثلاثين ولدًا أخيرًا، وصار يفضلها في كل شيء. حتى بيتها كان كأنه جنة بأثاثه وطلاء جدرانه، ومحتوياته المختلفة، في حين بقي بيتي على ما هو عليه بأثاثه القديم المهترئ حتى جاءت الحرب ودمّرت الاثنين معًا".
تعيش السيدة في خيمةٍ بين مجموعة خيامٍ ارتصت على ناصية طريق في منطقة الرمال بغزة، من بينها خيمة ضرتها التي تقول "إنها لا تفرغ من الطعام، في الوقت الذي تشتهي فيه بناتي اللقمة، وحين يطلبن من والدهن شيئًا يتذرع بقلة حيلته وفقره، ويتركنا لنوفر المعلبات وطعام التكايا بأنفسنا، بينما يحضر للأخرى الخضار ذات الأسعار الفلكية، ولابنه الحلويات مهما بلغ ثمنها".
وتزيد: "مرةً أو مرتين في الشهر يحضر لنا بعض علب الجبن والمعلبات، وتشتهي بناتي ما يرونه في يد أخيهن الصغير من حاجيات لذيذة وحلويات"، مضيفةً: "زوجي موظف، ولديه راتب جيد، لكنه غير عادل معنا أصلًا، والمأساة تفاقمت في ظل الحرب أكثر".
وتشتكي سيدات فلسطينيات تزوج أزواجهن عليهن من تخلخل ميزان "العدل" تحت الإبادة، في ظل شح الطعام والشراب، وفي ظل الوضع النفسي الصعب، الذي يدفع بأزواجهن إلى اختيار "المُرضي" لهم لا "الأكثر عدالة"، وبرغم محاولة بعضهم توخي ذلك ترى زوجات أن الحرب ستنتهي على مشكلات متفاقمة، وشروخ كثيرة في العلاقات بين المتزوجين من أكثر من واحدة، لتصل إلى حد الطلاق.
مناصفة غير "عادلة"!
يحكي أبو الياس (35 عامًا)، عن محاولاته المتكررة للعدل بين زوجتيه، رغم أنه يبيت ثلثي أيام الأسبوع لدى الجديدة، ويترك للأولى يومين فقط!
يقول: "أقسم أي كوبونة أحصل عليها لقسمين، نصف لزوجتي الأولى، ونصف للثانية".
تقاطعه زوجته الأولى التي حضرت اللقاء بقهر: "ومن قال أن هذا عدل؟ أنا عندي خمسة أولاد، وهي لديها اثنين. كيف تقسم الكوبونة لنصفين؟".
يضحك الرجل، ويكمل: "هذا العدل"، متابعًا بنبرة استخفاف: "أنتما الاثنتان صغيرتا عقل. إذا كنتما تختلفان معي على الكوبونة وتقسيمها، لقد صرت أكره اليوم الذي تصلني فيه رسالة استلامها لأنني أعرف أن حربًا ستندلع بعدها، ستكون ضحيتها أنا وحدي".
ويكمل: "أضطر أحيانًا لبيع الكوبونة وتوزيع سعرها على الاثنتين كي لا تقع المشاكل والخلافات". تعود زوجته للمقاطعة، وتعقب: "وأيضًا تقسم السعر نصفين، وهذا ليس عدلًا".
"نزوحٌ بواحدة"!
وتعيش فدوى حالةً نفسية صعبة، وتصف حالها بالقول: "لا أطيق رؤية وجهه".
عندما تتالت أوامر الإخلاء بداية الإبادة، ومطالبات الاحتلال لأهالي مدينة غزة وشمالها بالنزوح نحو جنوبي وادي غزة، حمل الرجل زوجته الأولى ونزح معها برفقة أطفاله إلى الجنوب، تاركًا إياها في الشمال كونها لم تستطع ترك أولادها من طليقها وحدهم هناك.
تحكي: "خيرني بين الذهاب معه وحدي وترك طفلَي من زوجي الأول في الشمال وحدهما، وبين البقاء معهما هناك. فاخترت الثانية. لم أتخيل أن يفعلها لكنه غادر الشمال برفقة الأولى وأطفالهما، وقد كان يقنعني أنه لا يحبها ويلا علاقة جسدية أو عاطفية أو اجتماعية بينهما".
ومنذ أن عاد زوجها إلى شمالي المدينة، لم يزرها ولا مرة، ولم يتصل بها حتى، لكنها عرفت بوجوده، وهذا دفعها للاتصال به من أجل نفقات طفلها منه، "إلا أنه لا يرد على أي اتصال" تقول.
وتظن السيدة أن الحياة بينهما وصلت إلى طريق مسدود، وأن طلاقها منه قادم لا محالة، "كونه غير عادل" يزيد.
مزيد من التفهم..
ويعلق الأخصائي الاجتماعي مهدي إبراهيم بقوله: "أفرزت الحرب مشاكل اجتماعية جمة، أغلبها زوجية، لأنها غيرت كل ما اعتاد عليه الإنسان"، مضيفًا: "قسمة الرزق بين الزوجتين أو الثلاثة، وحتى بين الأربعة مطلوب في الوضع الطبيعي، وفي وضع كوضع غزة وحربها مطلوب أكثر، فالكل في حاجة وعلى الكل أن يعي أن الرزق شحيح، ويرضى بقسمته مع الجميع".
وتابع: "في هذه الخلافات يدفع جميع الأطراف الثمن، الزوج والزوجات والأطفال، ويتفاقم الضغط النفسي على الجميع، مما يشعل خلافات كبرى"، مشيرًا إلى أن الحرب غيرت ملامح الحياة الاجتماعية كلها، ولا حل للمشكلات التي أفرزتها إلا انتهاءها وإعادة الإعمار.
ونصح الأزواج بتحمل بعضهم بعضًا إلى أقصى حد، والتهوين على بعضهم "فالجميع تحت النار، والجميع في كبد، وضيق العيش طال الكل، وعليه فالحل المؤقت يكمن بتوسعة الصدر ومزيد من التفهم، والتغاضي عن بعض الزلات، لضمان استمرار العلاقة، وتيسير تضميدها بمجرد انتهاء الإبادة".