وسط تعثر مستمر في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وفي ظل تصلب مواقف الأطراف المعنية، عاد الحديث بقوة إلى الواجهة عن إمكانية التوصل إلى هدنة إنسانية مؤقتة تسبق الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة خلال الأسبوعين المقبلين.
وتأتي هذه الهدنة المحتملة في وقت يعيش فيه القطاع أوضاعًا إنسانية كارثية، بعد انهيار الهدنة السابقة في 18 مارس، وتوقف دخول المساعدات الأساسية من غذاء ودواء وماء.
اقرأ أيضًا:
- صحيفة عبرية تكشف موقف إسرائيل من مقترح هدنة الـ 5 سنوات في غزة (تفاصيل)
- هدنة طويلة.. تفاصيل مقترح جديد قدمته حماس إلى الوسيط الجديد
آلية بديلة لتوزيع المساعدات
وجاء الحديث المتصاعد عن هذه الهدنة بالتزامن مع مشاورات متقدمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وممثلين عن جهة دولية جديدة – لم يتم الكشف عن هويتها – بهدف التوافق على آلية جديدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، دون مرورها عبر حركة حماس.
وبحسب ما نقله موقع "أكسيوس" الأميركي، فإن الخطة تهدف إلى تحجيم دور حماس من خلال حرمانها من التحكم في قنوات توزيع المساعدات ما يؤدي إلى تقليص مصادر دخلها ويضعف ارتباط السكان بها.
وأكدت مصادر أن هذه الخطة تحظى بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتتوافق أيضًا مع هدف ترمب بإعادة تدفق المساعدات دون تمكين حماس، وذكرت "أكسيوس" أن ترمب تحدث مع نتنياهو الأسبوع الماضي هاتفياً وحثه بشكل مباشر على السماح بدخول المواد الإغاثية إلى غزة، بعد أن توقفت بشكل كامل منذ أكثر من شهر مما فاقم المأساة الإنسانية في القطاع المحاصر.
بالتزامن مع ذلك، نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية أن تل أبيب تعتزم إعادة تصميم منظومة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة جذرياً، وذلك حين يسمح مجددًا بإدخالها خلال "الأسابيع المقبلة".
وتعد هذه الآلية الجديدة جزءًا من استراتيجية إسرائيلية لإضعاف حماس دون خوض مفاوضات سياسية مباشرة معها.
ضغط على حماس
ويرى السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هذا التحرك الأميركي – الإسرائيلي هدفه ممارسة ضغط غير مباشر على حماس في وقت تراوح فيه المفاوضات مكانها.
ويضيف أن الظروف الراهنة ربما تمهد فعلاً لإبرام "هدنة إنسانية" قبل زيارة ترمب، لكنه يشكك في أن تكون تلك الهدنة مقبولة لجميع الأطراف بما في ذلك مصر وقطر، الوسيطين الأساسيين، أو حماس التي قد ترى في الخطة تجاهلًا واضحًا لدورها السياسي والعسكري.
أما المحلل السياسي الفلسطيني د. عبد المهدي مطاوع، فيؤكد أن هذه الهدنة الإنسانية المحتملة ليست سوى محاولة أميركية لــ"تبريد الجبهة" وتجنب تصعيد ميداني واسع خلال زيارة ترمب إلى السعودية وقطر والإمارات بين 13 و16 مايو، حسب إعلان البيت الأبيض.
لكنه يحذر من أن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات قد تستثني الأطراف الفلسطينية والعربية، مما يرسل إشارات مقلقة حول مرحلة ما بعد الحرب، ويعكس سعي واشنطن وتل أبيب لإعادة رسم معادلة السيطرة في غزة دون حماس.
مواقف متضاربة
في هذا السياق، أعلنت حركة حماس عبر القيادي عبد الرحمن شديد أنها قدمت في 17 أبريل "رؤية شاملة مسؤولة" تقوم على وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو ما رفضته إسرائيل مفضلةً تجزئة الملفات وعدم الوصول إلى اتفاق شامل، بحسب ما أعلن مكتب نتنياهو عبر منصة "إكس".
من جهتها، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو صادق على خطة عسكرية تسمح ببقاء القوات الإسرائيلية في قطاع غزة حتى نهاية العام على الأقل، وسيناقشها المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية وهي الخطة التي تتسق مع ما أعلنه رئيس الوزراء من أن "هزيمة حماس" أولى من إطلاق سراح الأسرى.
وتوعد رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بتكثيف العمليات العسكرية في غزة خلال الفترة المقبلة إذا تطلب الأمر، مما يعكس استمرار الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على المراوحة العسكرية ورفض التسويات الكاملة.
زيارة ترمب
يتزامن هذا التصعيد مع خطاب للرئيس ترمب تعهد فيه بالعمل على تحرير الأسرى الإسرائيليين من غزة بأسرع وقت ممكن، مما يظهر رغبة الإدارة الأميركية في تحقيق إنجاز سياسي وإنساني قبيل الزيارة المنتظرة، أو على الأقل خفض التوتر في المشهد الإقليمي.
ورغم هذا، يرى رخا أن حماس لن تتخلى عن شروطها لأنها تعتبر موقفها الأكثر تمثيلاً للمصلحة الفلسطينية، خاصةً في ظل استطلاعات إسرائيلية تُظهر رغبة شعبية متزايدة في إنهاء الحرب، ويعتقد أن احتمالية حدوث هدنة إنسانية أو مؤقتة قبيل زيارة ترمب تبقى مرتفعة لتجنب أي إحراج دبلوماسي أو توتر ميداني يفسد أهداف الزيارة.
أما مطاوع، فيرى أن كلاً من حماس ونتنياهو ليسا معنيين حقاً بالوصول إلى اتفاق شامل في الوقت الراهن بل يسعيان للحفاظ على مواقعهما، فحماس تراهن على الوقت وتبدل المواقف الأميركية، فيما يعمل نتنياهو على إطالة أمد الحرب لتفادي السقوط السياسي والملاحقة القضائية خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية العام المقبل.
ويخلص إلى أن نتنياهو قد يقبل بهدنة مؤقتة ترضي ترمب دون أن تتضمن اتفاقاً نهائياً، ليستمر في سياسة القتل البطيء عبر الحصار، من أجل إضعاف حماس تدريجياً حتى الانتخابات المقبلة.