تنتظر الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل والمنطقة بفارغ الصبر أي إشارة توضح مغزى تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل يومين، والذي وعد فيه بـ"أخبار كبيرة وإيجابية" سيكشف عنها قبيل زيارته المرتقبة للمنطقة الأسبوع المقبل.
الإعلام العبري في دائرة الاتهام
وعلى الرغم من الوضع السياسي، خصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها ليوم الخميس لانتقاد الإعلام العبري بشدة، متهمة إياه بخيانة وظيفته المهنية عبر التغطية المنحازة التي تتجاهل المجازر المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
كما انتقدت "الصحيفة"، بشدة للوعي الإسرائيلي قائلة: "هذه الطفلة في الصورة نرفض أن نراها، إذا رأيناها، سنشعر بالذنب... ونحن لا نريد هذا الشعور حتى عندما نقتل آلاف الأطفال الفلسطينيين تحت ستار تبريراتنا".
سياسة المفاجآت تثير الإحباط في إسرائيل
من جهتها، اختارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" صفحتها الأولى بعنوان "سياسة المفاجآت"، لافتة إلى تصاعد مشاعر الإحباط داخل إسرائيل نتيجة خطوات ترامب الأخيرة، من أبرزها عدم تصدّره ملف التطبيع مع السعودية، وسحب القوات الأمريكية من سوريا، ووقف إطلاق النار مع الحوثيين، علاوة على تحسن العلاقات مع تركيا، وتراجع خطة تهجير سكان غزة.
وأكدت "الصحيفة العبرية"، أن هذه التطورات تعكس تمسّك ترامب بمبدأ "أمريكا أولًا"، وهو ما يدفع إسرائيل إلى الخلف، مشددة على أن على تل أبيب الآن أن تكيف مصالحها بما يتوافق مع المصلحة الأمريكية لضمان بقائها على أجندة واشنطن.
ضغوط أمريكية لوقف التصعيد
كما لفتت "الصحيفة العبرية"، إلى حالة من التململ في إسرائيل نتيجة ضغوط من بعض قادة الحزب الجمهوري تطالب بالابتعاد عن خوض حروب متعددة الجبهات، ما يتعارض مع الخطط العسكرية التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية.
وأضافت "الصحيفة العبرية"، أن ترامب قد وعد أمس بـ"بشرى تتعلق بغزة"، وتساءلت إن كان المقصود صفقة مع حركة "حماس"، أم اتفاق إنساني أمريكي-إسرائيلي لإدخال مساعدات إلى القطاع المحاصر.
إيران تعود إلى الواجهة
ووفقًا لما ذكرته "يديعوت أحرونوت"، نقلًا عن مصدر أمريكي أن ترامب لا يسعى لاتفاق نووي جديد مع إيران، لكنه يعمل على إيجاد حل بديل.
ومن جهته، يرى المحلل العسكري عاموس هارئيل في "هآرتس"، أن إعلان ترامب لاتفاق مشابه لاتفاق 2015 مع طهران بات ممكنًا، وهو ما قد يضع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في موقف محرج، كونه من أقنع ترامب بإلغاء الاتفاق السابق عام 2018.
خيارات صعبة أمام نتنياهو
وأشار "هارئيل"، إلى أن نتنياهو سيكون أمام خيارين أحلاهما مر: إما تقديم تبرير غير مقنع للإسرائيليين، أو معارضة الاتفاق علنًا، مما قد يدخل حكومته في صدام مباشر مع واشنطن.
وشدد "هارئيل"، على أن نتنياهو قد يستوعب اتفاقًا مع الحوثيين، لكنه سيواجه مأزقًا في حال تم توقيع اتفاق جديد مع إيران.
وتساءلت الإذاعة العبرية الرسمية عن طبيعة "الأنباء الكبيرة الإيجابية"، قائلة: "هل تتعلق بإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع؟ لا سيما أن الزيارة المرتقبة لترامب ستتجنب المرور بإسرائيل، ما قد يكون محاولة منه لتخفيف الحرج عن السعودية والدول العربية المستضيفة، في ظل استمرار العدوان على غزة".
وفي المقابل، أكد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، على رفضه إدخال أي مساعدات إنسانية إلى غزة، معتبرًا أن ذلك يصب في مصلحة "حماس"، قائلًا: "أنا أحترم الرئيس ترامب، لكن هذه خطوة خاطئة، وكان علينا بذل جهد فعلي لإقناعه بخطورة ذلك على قواتنا".
الإعلام العبري يتجاهل المذبحة
وفي ظل انشغال وسائل الإعلام العبرية بالتوقعات حول تصريحات ترامب، تتجاهل في الوقت نفسه المجازر اليومية التي ترتكب في غزة، وقد كشفت "هآرتس" في تقريرها تفاصيل عن مجزرة وقعت بالأمس وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني، بينهم عشرات النساء والأطفال.
نشرت "هآرتس" صورة مأساوية لشاب من مخيم البريج يحمل طفلته المغطاة بدمها، بعدما قتلتها غارة إسرائيلية، ضمن افتتاحيتها المعنونة بـ"يحظر صرف النظر"، في دعوة صارخة لوقف المجازر.
"كفى للحرب"
وأرسلت "هآرتس" نداءً حادًا ضد قتل الأطفال الفلسطينيين، مؤكدة أن صمت العالم العربي والغربي يقف على النقيض من حجم الفاجعة، وكتبت: "هذه الطفلة نحن نرفض رؤيتها، لأنها تجعلنا نشعر بالذنب... السابع من أكتوبر حصل لنا، لا لهم، لكن ذلك لا يبرر قتل آلاف الأطفال الفلسطينيين".
كما لفتت "هآرتس"، إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي قتل في اليوم السابق 9 أطفال تراوحت أعمارهم بين 3 و14 عامًا، إثر قصف مدرستين في مخيم البريج، زعم الجيش أنهما مواقع لـ"حماس"، رغم مقتل 32 فلسطينيًا بينهم 9 أطفال و4 نساء.
الصحافة العبرية تخون الحقيقة
وشددت "هآرتس"، على أن الإعلام الإسرائيلي يواصل إنكار الواقع، متجاهلًا مقتل أكثر من 52 ألف فلسطيني، بينهم 18 ألف طفل، في حملة عسكرية وصفتها بأنها تطبيع للموت وبلادةٌ في الإحساس الجماعي.
وكتبت المعلقة الفلسطينية حنين مجادلة، أبنة باقة الغربية، في مقالها الأسبوعي بـ "هآرتس" بالعبرية، مخاطبة الإسرائيليين بسخرية لاذعة: "هل تحدثتم مرة مع صديق في غزة لم يأكل منذ أيام؟ لا هو، ولا أطفاله الباقون على قيد الحياة؟".