في موقف نادر وصريح، وجهت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في افتتاحيتها انتقادًا لاذعًا للعملية العسكرية الإسرائيلية الجديدة المعروفة باسم "عربات جدعون"، والتي تهدف إلى توسيع نطاق العمليات في قطاع غزة.
اعتبرت الصحيفة أن هذه العملية محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ مؤكدة أنها لا تملك أي شرعية سياسية أو أخلاقية، داعية في الوقت ذاته إلى إلغائها الفوري ووقف التصعيد.
اقرأ أيضًا:
- رئيسا الأركان والشاباك يصادقان على "عربات جدعون".. ماذا ينتظر غزة؟
- إسرائيل تحدد المهلة الأخيرة لحماس.. صفقة الأسرى أو اجتياح "عربات جدعون" لغزة (تفاصيل)
هدف الحرب
وأكدت الصحيفة أن العملية لا تهدف فعليًا إلى إعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة كما تدعي الحكومة والجيش، بل إن هذا الهدف، بحسب ما كشفت الصحيفة، يأتي في ذيل قائمة الأولويات التي تم عرضها على قادة جيش الاحتلال في وثيقة الأمر العسكري الخاص بالعملية.
وفي هذا السياق، كشف مراسل الشؤون العسكرية في هآرتس، يانيف كوبوفيتس، أن إعادة الأسرى تم وضعها في أدنى سلم الأهداف العسكرية ضمن توجيهات "أمر العملية" الذي تم تسليمه مؤخرًا لقادة جيش الاحتلال، وهو ما اعتبر تأكيدًا لما كان يشك فيه كثيرون منذ فترة طويلة، أن استعادة المحتجزين الإسرائيليين ليست في الواقع هدفًا حقيقيًا للحرب على غزة بل مجرد ذريعة إعلامية.
وأشار كوبوفيتس إلى التناقض الصارخ بين الوعود العلنية التي أطلقها كل من رئيس الأركان إيال زمير، والمتحدث باسم الجيش إفي دفرين، اللذين أعلنا مرارًا أن إعادة الأسرى هي "الهدف الأول والأعلى" للحملة العسكرية، في حين تكشف الوثائق الداخلية أن هذا الهدف تم تهميشه فعليًا.
وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية، وبتواطؤ واضح من الجيش، تدفع بهدف تحرير الأسرى إلى قاع قائمة الأهداف، الأمر الذي يفقد هذه الحرب آخر ما تبقى لها من شرعية، حتى في أعين الجمهور الإسرائيلي.
فشل العملية
وفي انتقاد مباشر لسياسات الجيش، استنكر كوبوفيتس كذلك لجوء القيادة العسكرية مؤخرًا إلى استخدام مصطلح "رهائن" بدلاً من "مخطوفين" للإشارة إلى المحتجزين لدى حماس، معتبرًا أن تغيير المصطلحات لا يغير من الواقع شيئًا، فمصير هؤلاء سواء سمو رهائن أو مخطوفين، لا يزال يتطلب تدخلًا فوريًا وجادًا من الدولة، وليس مناورات لغوية.
وحذر الصحفي الإسرائيلي من أن إطلاق سراح المحتجزين لن يتحقق بأي وسيلة عسكرية، وإنما فقط عبر صفقة تبادل مع حركة حماس، معربًا عن قلقه العميق من أن عملية "عربات جدعون" لن تؤدي فقط إلى الفشل في تحريرهم، بل ستعرض حياتهم لخطر داهم وفوري، خاصة أن عددهم المتبقي يقدر بين 21 و24 شخصًا.
وفي تقييم أكثر سوداوية للوضع، أكد كوبوفيتس أن قطاع غزة يشهد "حمام دم" مستمر حتى قبل بدء العملية العسكرية الموعودة، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي قتل خلال الأيام القليلة الماضية 107 فلسطينيين، من بينهم 32 نازحًا لجؤوا إلى مدرسة في منطقة البريج، من بينهم 9 أطفال.
ولفت إلى أن هذا القصف جاء بعد أن أصدر الجيش إنذارًا لسكان مسجد مجاور، بينما قامت طائراته لاحقًا بقصف المدرسة التي كانت ملاذًا للنازحين، في استهتار صارخ بالأرواح وبالقانون الدولي.
وفي ختام مقاله، وجه كوبوفيتس دعوة صريحة للحكومة الإسرائيلية ولقيادة الجيش إلى وقف فوري لإطلاق النار، والتخلي عن هذه الحرب التي وصفها بـ"عديمة الجدوى، وعديمة الأخلاق، وعديمة الحدود القانونية"، والبدء فورًا في مفاوضات جدية لعقد صفقة تبادل أسرى تنهي هذه الأزمة من جذورها بدلًا من التورط أكثر في مستنقع دموي لا نهاية له.