كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تحليل موسع عن أزمات متداخلة يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج والتي تشمل السعودية وقطر والإمارات.
ورغم الطابع الاقتصادي والتجاري الظاهر للجولة، فإن تداعياتها السياسية تمثل مصدر قلق متصاعد داخل إسرائيل، لاسيما لما تحمله من مؤشرات على تراجع مكانة تل أبيب في حسابات الإدارة الأميركية وتضاؤل تأثير نتنياهو على أجندة البيت الأبيض.
فراغ سياسي في زمن التحولات
تصف الصحيفة الوضع داخل إسرائيل بـ"الفراغ السياسي" المتفاقم، حيث يبدو نتنياهو معزولًا عن مراكز القرار الحقيقية سواء في واشنطن أو حتى داخل حكومته، وتجلى هذا التراجع بوضوح من خلال ضعف موقفه تجاه زيارة ترامب الذي بدا منشغلًا بملفات الاقتصاد والطاقة وإعادة ضبط العلاقات الخليجية، متجاهلًا بشكل واضح التنسيق التقليدي مع إسرائيل التي لم تدرج كأولوية في جولته.
اقرأ أيضًا:
- قبل زيارة ترامب.. حسين الشيخ ووزير الخارجية القطري ييحثان ملفات مصيرية
- بين خطاب فريدمان ومصالح ترامب.. فلسطين قضية تحرر وطني وليست ورقة على طاولة الصفقات
ورغم أن نتنياهو لطالما تفاخر بعلاقته الوثيقة مع ترامب، فإن الوقائع تكشف أن هذه الصداقة لم تعد كما كانت بل أصبحت عبئًا سياسيًا في ضوء التحولات الجارية، وتساءلت "هآرتس": هل أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرد "مراقب صامت" في منطقة كان يفترض أن يكون أحد صناع توجهاتها؟.
رهائن غزة
ومن القضايا اللافتة التي سلطت الصحيفة الضوء عليها هو تراجع الحديث الإسرائيلي الرسمي عن ملف المحتجزين في غزة، فبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء الحرب في القطاع، تغيرت لهجة نتنياهو من الوعود بالمحاسبة إلى تبريرات غامضة عن "صفاء الضمير"، بل أعلن بشكل عابر أن عدد الرهائن الأحياء لا يتجاوز 21 فقط، في تصريح صادم لم يثر أي نقاش جاد داخل الحكومة.
ويظهر هذا الموقف تراجع الاهتمام السياسي بملف يفترض أنه "إنساني وأمني" بامتياز، ويكشف في الوقت ذاته ضعف القيادة الإسرائيلية في تحويل قضية الرهائن إلى ورقة ضغط أو محور تحرك دولي.
واشنطن تتجه شرقًا
في تطور أكثر إثارة، ذكرت تقارير متقاطعة من "رويترز" و"هآرتس" أن إدارة ترامب لم تعد تلزم السعودية بالتطبيع مع إسرائيل كشرط لأي اتفاق نووي مدني، ويمثل هذا التراجع ضربة استراتيجية لإسرائيل، التي كانت تعتبر ربط السعودية بالتطبيع أحد أبرز مكاسبها الإقليمية.
والأكثر مفاجأة كان إعلان ترامب عن "تفاهم أولي" مع الحوثيين في اليمن رغم القصف الإسرائيلي الأخير لمطار صنعاء، وهو ما فسره مراقبون بأنه خطوة لفك الاشتباك الأميركي في هذه الجبهة دون أي اعتبار لموقف تل أبيب، واكتفى ترامب بالقول: "سوف نناقش الأمر لاحقًا"، في إشارة إلى أن إسرائيل لم تعد شريكًا بل ضيفًا في صنع السياسات الإقليمية.
شرخ في الداخل
ولم تبقى الأزمة محصورة في العلاقات الخارجية، بل تمددت إلى داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، فقد قاد أرييه درعي زعيم حزب "شاس" تمردًا سياسيًا على نتنياهو رفضًا لمشروع قانون إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، وهو مشروع يعتبره نتنياهو جزءًا من خطته للبقاء في الحكم وتفادي المحاكمة.
ورغم محاولات التهدئة من وزير الخارجية جدعون ساعر، لم يفلح أحد في كسر مقاطعة درعي، مما أدى إلى تعطيل تمرير عدد من القوانين الأساسية على رأسها مشروع فصل صلاحيات المستشار القضائي، الذي كان يعول عليه لإنقاذ نتنياهو من الملاحقة القانونية.
تفكك المؤسسة الأمنية
تعمقت الأزمة أكثر بخروج عدد من كبار قادة المؤسسة الأمنية، وأقيل وزير الدفاع يوآف جالانت، تلاه استقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي، ثم رئيس جهاز الشاباك رونين بار، الذي ودع منصبه بخطاب اعترف فيه بالأخطاء والتقصير، ووحده نتنياهو يواصل الإنكار، مكررًا عبارة: "ضميري مرتاح"، في مشهد تراه الصحافة العبرية أشبه بالإنكار السياسي والانفصال عن الواقع.
وذهبت بعض التحليلات إلى المقارنة بين نتنياهو وزعماء إسرائيليين سابقين مثل جولدا مائير ومناحيم بيجن، الذين اختاروا الاعتزال أو الاعتراف بالمسؤولية عقب أزمات كبرى، بينما يصر نتنياهو على التمسك بالسلطة وسط انهيارات متتالية.
خيبة ترامب من نتنياهو
وتطرق التحليل أيضًا إلى الجانب الشخصي في العلاقة بين ترامب ونتنياهو، مشيرًا إلى أن الرئيس الأميركي لم ينسى ما وصفه بـ"خداع" نتنياهو خلال ولايته السابقة، فقد كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن أن مستشار الأمن القومي مايك والتز أقيل بعد قيامه بمحادثات سرية مع نتنياهو حول إيران دون علم ترامب، مما زاد من توتر العلاقة.
والآن، مع انفتاح ترامب على قنوات تواصل مباشرة مع طهران لم يعد أمام نتنياهو سوى القلق، إذ بات من الواضح أن إسرائيل أصبحت خارج دائرة النفوذ الأميركي لا سيما في الملفات الإقليمية الحساسة.
وسط كل هذه التطورات، يبدو أن زيارة ترامب إلى الخليج لا تمثل فرصة لنتنياهو بل بداية النهاية، وغياب إسرائيل عن الصدارة، وتمرد الحلفاء، وانهيار الثقة داخل المؤسستين الأمنية والسياسية، كلها مؤشرات على لحظة تحول تاريخية قد تضع حدًا لهيمنة نتنياهو وتعيد تشكيل المشهد السياسي في تل أبيب.