في خطوة تحمل دلالات سياسية عميقة وتثير تساؤلات بشأن مستقبل العلاقة بين تل أبيب وواشنطن، كشفت صحيفة "معاريف" العبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعرب عن رغبته في التخلي التدريجي عما أسماه "الاعتماد الأمني" على الولايات المتحدة، في موقف مفاجئ يأتي وسط توتر متصاعد في علاقته بالإدارة الأمريكية.
اقرأ أيضًا:
- إطلاق سراح عيدان ألكسندر يشعل الساحة الإسرائيلية: انقسام داخلي ونتنياهو في مرمى نيران عائلات الرهائن
- رسائل حازمة من نتنياهو بشأن وقف الحرب وسط تصعيد غزة
تصريحات نتنياهو
وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر مطلعة حضرت اجتماع لجنة الأمن والخارجية في الكنيست يوم الأحد، فقد جاءت تصريحات نتنياهو في جلسة صاخبة ومشحونة، حين أعلن أنه يرى ضرورة التوجه نحو الفطام التدريجي من المساعدات الأمنية الأميركية، والتي تبلغ نحو 4 مليارات دولار سنويًا، وتستخدم بشكل أساسي في شراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
وقال نتنياهو أمام اللجنة: "نحصل على قرابة 4 مليارات دولار سنويًا لشراء السلاح، لكن أعتقد أن الوقت قد حان لنستغني عنها كما فعلنا سابقًا مع المساعدات الاقتصادية".
ورغم أن الصحيفة لم تورد توضيحًا صريحًا من نتنياهو حول الدوافع الكامنة وراء هذه الخطوة، فإن المراقبين يرون أن هذا التصريح يعكس احتقانا متزايدًا بينه وبين البيت الأبيض، خصوصًا في ظل ما تردد من تقارير عن انقطاع الاتصال بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد شعور الأخير بأن نتنياهو يسعى للتلاعب به سياسياً في ملف الحرب على غزة.
قانون جديد لتجنيد الحريديم
وفي السياق نفسه، حاول نتنياهو امتصاص الغضب السياسي والشعبي المتصاعد حول ملف تجنيد الحريديم (اليهود المتشددين دينيًا)، الذي أصبح نقطة اشتعال داخل المجتمع الإسرائيلي، بعد قرار المحكمة العليا في يونيو 2024 بإلزامهم بالخدمة العسكرية، ومنع الدعم المالي عن المؤسسات الدينية التي ترفض التعاون مع القرار.
وخلال الجلسة ذاتها، وعد نتنياهو بتمرير قانون تجنيد جديد يعرض فقط عبر اللجنة، مشيرًا إلى أنه سيؤدي إلى تجنيد 10,500 حريدي خلال عامين، كجزء من خطة تستهدف إدماجهم تدريجياً في الجيش الإسرائيلي.
إلا أن هذا الرقم أثار رد فعل ساخر وغاضب من قبل زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، الذي استهجن هذا الطرح قائلاً: "هذا الرقم لا يمثل حتى 30% من عدد المطلوبين سنويًا... كيف يمكن اعتبار ذلك إنجازًا؟!".
تصاعد الاحتجاجات الحريدية
من جانب آخر، تتصاعد وتيرة الاحتجاجات في أوساط الحريديم منذ صدور قرار المحكمة العليا، إذ يواصل المئات منهم النزول إلى الشوارع رفضًا لقرار إلزامهم بالخدمة العسكرية، ويصرون على أن دراسة التوراة تمثل جوهر رسالتهم في الحياة، ولا يمكن أن تستبدل بأي نشاط دنيوي أو عسكري.
وفي تطور لافت، صدرت تعليمات دينية حاسمة من كبار الحاخامات، الذين يمثلون المرجعيات العليا للحريديم، تحض أتباعهم على رفض أوامر الاستدعاء للجيش، بل وتحثهم على تمزيق تلك الأوامر علنًا باعتبارها "باطلة شرعًا".
ويشكل الحريديم نحو 13% من سكان إسرائيل، البالغ عددهم حوالي 10 ملايين نسمة، ويعيشون في مجتمعات مغلقة إلى حد كبير، حيث يرفضون الاندماج في الحياة العلمانية للدولة، ويرون أن ذلك يهدد هويتهم الدينية والثقافية ويقوض استمرار نموذجهم المجتمعي المبني على التعليم التوراتي والانفصال عن المؤسسات العسكرية والمدنية.