أزمة السيولة في غزة: عمولات خانقة وعُملات بالية

شيكل إسرائيلي
شيكل إسرائيلي

غزة/ البوابة 24- نيفين اسليم:
في مشهدٍ يُجسد المعاناة اليومية للغزيين، تتفاقم أزمة السيولة في قطاع غزة لتفرض واقعًا ماليًا قاسيًا لا يرحم. عمولات مرتفعة على عمليات السحب تصل إلى 30%، سوق سوداء تتحكم بأسعار النقد، وتطبيقات إلكترونية باتت شبه معطلة، إلى جانب ظاهرة انتشار العملات الورقية البالية. هذا التقرير يستعرض الأزمة من زوايا إنسانية، واقتصادية، ليكشف كيف بات المواطن الغزي يدفع الثمن مرتين: مرة عند اقتطاع راتبه، ومرة عند محاولته شراء احتياجاته الأساسية.

تقول ختام، وهي موظفة وأم لستة أطفال: "كنت أتقاضى راتبي عبر تطبيق البنك، وأحوّل بعضه لتطبيقات الشراء أونلاين، لكن خلال الأشهر الأخيرة أصبح التطبيق بلا فائدة، فالمحلات توقفت عن التعامل به. وحتى عند سحب الراتب نقدًا، تُقتطع 30% عمولة! جزء كبير من راتبي، الذي لا يكفيني أصلاً، يضيع فقط لأحصل عليه بيدي."

في السوق، اضطر تاجر الأدوات الكهربائية أبو محمد النجار إلى التخلي عن الوسائل الإلكترونية التي كان يعتمد عليها، ويشرح، "كنت أتعامل مع عملائي من خلال PALPAY والتطبيق البنكي... لكن بعد أن توقفت السيولة، وأصبح الزبون يبحث عن الكاش بأي ثمن، اضطررت لوقف استخدام كل التطبيقات. أحد الزبائن أراد شراء غسالة ودفع بالبال باي، لم أقبل... لأنني لا أستطيع تحويلها لشيكل ولا حتى سحبها بدون أن أخسر عمولة من السوق السوداء. الناس تريد النقد، وليس رصيدًا إلكترونيًا!"

من جانبه، يروي علاء، الموظف بعقد مؤقت، تجربته مع الحوالات الخارجية:"وصلتني حوالة من جهة خارجية على حسابي الإلكتروني، وظننت أن الأمور ستسير بسلاسة، لكن البنك رفض صرفها بسبب انعدام السيولة. لجأت إلى السوق السوداء، فطلبوا 32% عمولة! شعرت وكأنني أُعاقب فقط لأنني سلكت الطريق القانوني."

وفي زاوية أخرى من المشهد، تسرد لمياء موسى، موظفة في مؤسسة غير حكومية، معاناتها مع العملات البالية:"أعطاني مكتب التحويل ورقة نقدية ممزقة من ثلاث جهات وقالوا: خذيها، هذا المتوفر. حاولت استخدامها في بقالة قريبة، لكن البائع رفض. قال: البنك ما بيقبلها، والناس بتخاف منها. اضطريت أرجعها للسوق السوداء واستبدلتها مقابل خصم 15% إضافية."

 أثر اقتصادي واجتماعي ممتد

تأثير الأزمة لم يتوقف عند حدود الأسواق أو الموظفين، بل امتدّ إلى عمق الحياة الأسرية. ارتفاع العمولات أجبر الكثير من العائلات على تقليص احتياجاتها اليومية، واضطرت إلى الاستدانة أو الاعتماد على المساعدات. التعليم، المواصلات، وحتى الغذاء، أصبحت أعباء ثقيلة لا تُحتمل. وفي مؤشرات مقلقة، لجأت بعض الأسر إلى بيع ممتلكاتها الشخصية الصغيرة لتأمين احتياجاتها، في دلالة واضحة على التدهور الاقتصادي والاجتماعي المتسارع.

 موقف سلطة النقد

في بيان سابق، ذكرت سلطة النقد الفلسطينية أن أزمة السيولة تعود إلى "الظروف الاستثنائية الناتجة عن العدوان"، مشيرة إلى تدمير فروع البنوك وتعطل أجهزة الصراف الآلي، بالإضافة إلى منع الاحتلال إدخال النقد. كما أعلنت عن إطلاق نظام "أي براق" للحوالات الفورية كبديل رقمي، ودعت المواطنين لاستخدامه.

إلا أن مواطنين وتجارًا تحدثوا إلى "البوابة 24" أكدوا أن هذه الحلول لم تُترجم إلى واقع ملموس، في ظل استمرار العمولات المرتفعة وشح النقد، ما اضطر كثيرين للجوء إلى السوق السوداء رغم كلفتها العالية.

 بين الخصم والإذلال

في غزة، لم يعد المال وسيلة للعيش الكريم، بل عبء نفسي ومادي يرهق السكان. رواتب تنهكها الخصومات، عملات ممزقة، وسوق سوداء تتحكم في أرزاق الناس. آن الأوان لتحرك محلي ودولي يعيد للنظام المالي هيبته، ويضع حدًا لهذا الابتزاز الجماعي، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية شاملة.

البوابة 24