"التبول اللا إرادي".. "الخوف" الذي يسرق النوم من عيون أطفال غزة!

التبول اللا ارادي لدى الأطفال
التبول اللا ارادي لدى الأطفال

غزة/ البوابة 24- حلا أبو عيشة:

كانت ليلة سبت، قُصفت شقة سكنية لعائلة المدهون في حي الأمل غربي مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، وانخلع قلب "مريم" من مكانه! لم تشعر ابنة التسع سنوات -وهي نازحة في بيتٍ قريب- إلا وقد بللت ملابسها فجأة.

حدث ذلك في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، بينما كانت مريم نائمة. تخبرنا أمها: "لحظة القصف استيقظ أطفالي الأربعة كلهم. قفزوا إلى حضني بينما بقيت مريم في فراشها تبكي. استغربتُ وناديتها كي تأتي لكنها رفضت، ثم طلبت أن تخبرني شيئًا في أذني كي لا يسمع أخوتها".

للوهلة الأولى لم تصدق أم مريم نفسها، لكنها في الوقت ذاته وضعت لها ألف عذر: "لقد عاش أطفالنا ما لم يعشه أي طفل في العالم. ما رأوه يشيب له الولدان، ومن العجيب أنهم قادرين على التأقلم والتعايش وأن عقولهم ما زالت قادرة على التفكير حتى اللحظة".

تُفسّر الأم ما حدث مع ابنتها بأنه بسبب الخوف، لكن المثير للقلق بالنسبة لها أن الأمر تكرر مرتين بعدها، "آخرهما ليلة أمس، عندما استيقظت لترى مريم تحاول غسل بنطالها بنفسها". تعقب: "شعرت بالحزن الشديد على حالها. إنها طفلة، وما حدث لها بالتأكيد لا يد لها فيه"، متسائلة بحرقة: "لا أدري إلى أين ستأخذ هذه الحرب أطفالنا بعد؟".

مشاهد مرعبة

وتحدثت العديد من الأمهات لـ"البوابة 24" عن إصابة أبنائهن وبناتهن (وهم من الأطفال الكبار) بالتبول اللا إرادي، نتيجة القصف الجنوني، واستهداف المربعات السكنية بالأحزمة النارية العشوائية، ومشاهد الموت والجوع والعطش، التي يعايشونها منذ نحو عامٍ ونصف حين اندلعت الحرب. 

وإذا كانت مريم حديثة العهد بمشكلة "التبول اللا إرادي"، فإن "سلام" (12 عامًا) يعاني منها منذ أشهر طويلة، تحديدًا منذ السابع والعشرين من يونيو/حزيران 2024م، حين اجتاحت دبابات وآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، بشكلٍ خاطف، ووصلتْ إلى عمقه في وضح النهار.

يقول والده لـ"البوابة 24": "كان المشهد مرعبًا. سمعنا أصوات محركات الآليات مصحوبة بقصف عنيف وإطلاق نار كثيف. حينها أدركنا أننا حوصرنا وأن حياتنا باتت في خطر حقيقي".

ويزيد: "بدأ الجنود باقتحام بعض البيوت. دخلوا بيتنا ورموا نحونا قنابل متتالية، وكانوا يطلقون النار على الجدران وفوق رؤوسنا. بناتي الأكبر من سلام سنًا كُن يصرخن، لكنهم لم يتوقفوا. دخلوا الغرفة، وطلبوا منا جميعًا النزوح بدون أي شيء من شارع صلاح الدين غربًا، وسط الظلام والقصف وأصوات إطلاق النار".

ويتابع: "بينما نحن في الطريق كان وجه سلام أصفر، أُغمي عليه من شدة الخوف (..) منذ ذلك اليوم، ونحن نعاني مع مسألة التبول اللا إرادي لديه".

 وتحكي أمه: "يمر أسبوع عليه يكون فيه في أحسن حالاته، لكن بمجرد تكرار القصف في مناطق قريبة، أو سماعه أخبارًا تحكي عن إمكانية الاجتياح للمنطقة التي نتواجد فيها الآن بمواصي خانيونس تعود إليه الحالة".

يمر سلام بوضعٍ نفسي سيء جدًا بسبب هذا الموضوع، "ويخاف كثيرًا أن تصحو إحدى شقيقاته قبله فتكتشف الأمر. رغم أنه يعي في قرارة نفسه أنهن جميعًا يعرفن بحاله"، ملفتةً إلى أنها سألت بخصوصه أخصائيًا نفسيًا، فأخبرها أن ما يحدث مع ابنها "طبيعي" في ظل ما يحدث من قصف وتجويع وتشريد.

وتابعت بحرقة: "حتى الوضع الميداني لا يسمح بالانتقال بشكل مريح بين المناطق لمتابعة العلاج النفسي، كما أن الأخصائي أخبرني بأنني قد أحتاج لعلاج دوائي، والحصول على الأدوية مثل الحلم في ظل واقع الإغلاق الصعب".

الماهية والعلاج

ويُعرف التبول اللاإرادي عند الأطفال، بأنه تسرب عفوي للبول يتكرر أثناء النوم عند الأطفال من سن الخامسة وما فوق، (مرتين على الاقل في الأسبوع، ولمدة لا تقل عن 3 أشهر متتالية).

ويعد التبول اللا إرادي في ظرف قطاع غزة، ظاهرة معقدة نوعًا ما، ويمكن أن تحدث لأسباب جسدية، مثل عدم قدرة الجسم على إنتاج ما يكفي من هرمون (ADH) الذي يقلل كمية البول الذي تفرزه الكلى ليلًا، أو لتناقص سعة المثانة، ولأسباب نفسية، ناجمة عن الخوف والتوتر والتعرض لمشاهد ومواقف صادمة.

ووفقًا للأخصّائية النفسية، ليلى أبو عيشة، فإن التبول اللا إرادي يُعدّ ظاهرة معقدة نوعًا ما، "وفي الحالات الطبيعيّة -لو كان السبب نفسيًا- ننصح الأمهات بالتحدث إلى الطفل بهدوء عن المشكلة، مما يحد من خوفه وحرجه، والتوضيح بأن هذه المشكلة يعاني منها عدد كبير من الأطفال وليس هو وحده، وقد تجاوزوها ببعض الجهد والإصرار".

وتقول: "اشرحي له الواقع الذي يعيشه منذ أكثر من عام ونصف، وبأنه سبب مباشر لما يحدث معه، وأن هذه الحالة لن تقلل حبه أو احترام من حوله له، وأنك ستكونين معه حتى يتخلص من هذا الأمر تمامًا".

وأشارت إلى أن عزل الطفل اجتماعيًا أو عقابه، يؤدي به إلى قلة اعتداده بنفسه، داعيةً الأمهات إلى عدم السماح لأحد بمعاكسة الطفل إذا بلل فراشه، حتى لو كانوا إخوته، "فهذا يزيد الأمر تعقيدًا".

وأكدت أن الصدمة هي السبب الرئيس في حالات التبول اللا إرادي عند الأطفال الكبار، بعد سنوات من الجفاف، "بعد ذلك أصبح هو مشكلة بحد ذاته، حيث تحصل حالة رُهاب أو فوبيا من هذا التبول اللا إرادي، وهكذا تستمر المشكلة"، مردفةً: "يعني قلق، مضاف إليه رهاب من حصول التبول مرة أخرى، مما يؤدي إلى زيادة منسوب القلق والخوف والتوتر بشكل أكبر".

أكثر من "تبول لا إرادي"

وبالإضافة إلى متابعة أخصائي نفسي لعلاج الحالة، تنصح أبو عيشة الأمهات بضرورة "تحديد كمية السوائل التي يتناولها الأطفال قبل النوم بأربع ساعات على الأقل، ودفعهم للذهاب إلى المرحاض قبل النوم مباشرة، وتشجيع الطفل منهم على تنظيف فراشه بنفسه -ليس كعقوبة- بل كنوع من المسؤولية والمساعدة".

وتضيف: "عززي موقفه عندما لا يحدث لديه بلل في الفراش، ولا تظهري خيبة أملك إذا فعلها، فأنتِ تعلمين تمامًا الأسباب التي جعلت الطفل يفقد التحكم"، مشددةً على أن الواقع النفسي في قطاع غزة، يتعدّى مشكلة "التبول اللا إرادي" بمراحل، "حين نجد أطفالًا من الفاقدين أو الناجين من المجازر، يتمنون الموت أو يفكرون به طوال الوقت من أجل الوصول -كما يعتقدون- إلى درجة الراحة من الحياة بعد أهوال ما رأوه على مدار عامٍ ونصف بغزة".

وتدعو بناءً على ما سبق، المؤسسات الدولية الخاصة بدعم الأطفال، وكافة الجهات المعنية، إلى ضرورة تكثيف جهودها إزاء الدعم النفسي للأطفال، خصوصًا بعد انتهاء الحرب.

البوابة 24