في غزة.. "الحيوانات" أيضًا تصرخُ جوعًا!

الدكتور عائد نجم خلال عمله
الدكتور عائد نجم خلال عمله

غزة/ البوابة 24- أحلام عبد القادر:

"هل شاهدت كلبا يأكل الفاصولياء؟" قد يبدو السؤال غريبًا بالنسبة لهواة تربية الكلاب في أنحاء العالم، وهي المعروفة –بديهيًا- بأنها كائنات آكلة للحوم، لكن في غزة، يمكن -على مساحةٍ واسعةٍ من الافتراض- أن تكون الإجابة "نعم".

كلاب غزة، وحيواناتها الأليفة، تواجه الموت جوعًا كما أهلها، نتيجة حصار إسرائيلي حاد تسبب بمجاعة تفتك بكل ذي كبد.

"ليو" و"ريكو"، كلبان يملكهما الصحفي فتحي صباح، الأول نزح به من منزله بمدينة غزة، وتنقل به من مكان إلى آخر في محطات نزوح مريرة، والثاني اقتناه رأفة به بعد استشهاد صاحبه، ويرافقه وأسرته في خيمة يقيمون بها بمنطقةٍ تُعرف باسم "بئر 19"، وتقع بين مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين جنوبي القطاع.

00883484-2434-4a46-b721-956ac2a84be3.jfif
 

قبل نحو شهر كتب صبّاح على حسابه الشخصي في منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، منشورًا مرفقًا بصورةٍ للكلبين، تحدث به بألم عن حالهما نتيجة المجاعة، وعدم توفر اللحوم والدواجن، وحتى اللانشون "اللحوم المعلبة"، التي اختفت من الأسواق تمامًا، جراء إغلاق الاحتلال للمعابر منذ 2 مارس/آذار الماضي، ومنعه إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.

ويتحدث صباح أنه اضطر إلى إطعام كلبيه الفاصولياء والبازيلاء والأرز، الذي يأكلانه بدافع الجوع، ولكنهما سرعان ما يتقيّآنه، وتقذفه معدتيهما.

كلاب تأكل الخبز الجاف

وتنسحب معاناة صبّاح مع كلبيه على حيوانات غزة، التي لم تسلم من المجاعة المستشرية في القطاع، للشهر الثالث على التوالي، وقد تسببت في إصابتها بالأمراض، وأدت إلى نفوق أعداد كبيرة منها، بحسب طبيب بيطري تحدث للبوابة "24".

يمتلك الشاب الثلاثيني محمود عارف الفقعاوي (35 عامًا)، كلبين وحمار، وبكثير من الحزن والأسى يروي معاناته الشديدة وشعوره بالعجز عن توفير احتياجاتها من الطعام والشراب والدواء.

992af2cc-dee2-4611-81d3-c2dfe4a014f5.jfif
 

لا يستبعد الفقعاوي نفوق حيواناته في أية لحظة، وهو يشاهدها تتضور جوعًا، وأوزانها في انخفاض مستمر، ويوضح أنه اشترى الحمار في بداية اندلاع الحرب بنحو 4 آلاف شيكل، ولا يجد له حاليًا الشعير لإطعامه، وقد وصل سعره قبل اختفائه كليًا لنحو 250 شيكل للرطل (3 كيلوغرامات)، فيما كان لا يزيد ثمن رطل الشعير قبل اندلاع الحرب على 5 شواكل فقط.

اشترى الفقعاوي الحمار للعمل عليه وكسب قوت يومه وأسرته، وقد تحولت العربات التي تجرها الحمير والخيول في القطاع إلى وسيلة نقل رئيسة، في ظل أزمة مواصلات ناجمة عن خروج آلاف السيارات من الخدمة، سواء بسبب التدمير المباشر، أو نتيجة الحصار وعدم توفر الوقود.

540c17d9-7698-4659-986a-60f3fa8fc2ce.jfif
 

ومنذ أسابيع قرر الفقعاوي إراحة الحمار تمامًا، وعدم إرهاقه بالعمل، خشيةً على حياته، لعدم توفر الطعام والدواء له، ويقول: "كلنا نعاني من المجاعة في غزة، البشر والحيوانات، وكلنا مهددون بالموت".

وتعود ملكية الكلبين لدى الفقعاوي لأناس أجبرتهم تداعيات الحرب على تسريحهما في الشارع، وقد تكررت مثل هذه الحالة لعدم قدرة البعض على رعاية حيواناتهم الأليفة، بسبب تداعيات الحرب من نزوح متكرر ومجاعة.

لدى هذا الشاب خبرة سابقة في تربية الكلاب، وقرر أن يقتنيهما، أحدهما من سلالة روسية، والثاني بلدي، ويخبرنا أن الكلب الروسي في مثل عمره يكون وزنه ما بين 50 و60 كيلوغرامًا، إلا أن وزن هذا الكلب لديه، لا يزيد على 20 كيلوغرامًا.

قطة تأكل العدس

ويتشارك الحمار والكلبين الأكل من "قصعة" واحدة، تحتوي غالبًا على بقايا الخبز الجاف وقشور البطيخ". يضيف الفقعاوي: "إذا كان العالم لا يرانا كبشر في غزة، فليتحرك من أجل حقوق هذه الحيوانات، ويوقف الحرب والمجاعة".

وفي مدرسة مجانية افتتحتها المبادرة أحلام عبد العاطي قرب مجمع ناصر الطبي غربي مدينة خان يونس، حضر الطفل وليد المريدي (9 أعوام) حاملًا كراسته وقطة بين ذراعيه.

e941c91a-8009-4e40-b7af-cd690e89de13.jfif
 

كان الجوع باديًا على وجه الطفل النازح وقطته، ويقول لـ"البوابة 24": "عثرتُ على القطة قرب الخيمة التي أقيم بها مع أسرتي المكونة من (7 أفراد) في منطقة إسكان النمساوي خلف مجمع ناصر، وعطفتُ عليه، لكنني لا أجد طعامًا لها سوى العدس والمعكرونة التي أحصل عليها لي ولأسرتي من تكية خيرية مجاورة".

ويعاني وليد من حالة سوء تغذية، أدت إلى انخفاض وزنه بشكل ملحوظ، وببراءة طفولية يقول: "أنا جعان والبسة جعانة، وحزنت عليها كثير وأخذتها عندي، أطعميها وأشربها من أكل بتوزعه علينا التكية".

أثر المجاعة على حيوانات غزة

ويقول مدير "عيادة أمان البيطرية" الطبيب البيطري عائد أبو نجم لـ"البوابة 24": "إن المجاعة التي تعصف بالحيوانات لا تقل عن تلك التي تصيب الإنسان في غزة وتقتله، حيث أن الاحتلال لا يسمح بدخول أي شيء من طعام أو مستلزمات الحيوانات".

وأبرز أعراض المجاعة على الحيونات، بحسب أبو نجم هي حصر البول، وتقلصات داخل المعدة والأمعاءـ وقد تسبب سوء التغذية في نفوق أعداد كبيرة من الحيوانات، سواء الكبيرة كالخيل والحمير، أو الصغيرة مثل الكلاب والقطط وغيرها.

وكان للطبيب أبو نجم عيادة في مدينة رفح قبل اضطراره للنزوح عن هذه المدينة عشية الاجتياح الإسرائيلي لها في 6 مايو/أيار من العام الماضي، ويشير إلى إن عيادته تعرضت للتدمير كما كل شيء في رفح.

ef17f333-195f-4152-815e-41012276fa3b.jfif
 

تنقل هذا الطبيب من مكان إلى آخر، وأنشأ نقاطًا طبية بيطرية لمعالجة الحيوانات التي نالها نصيب وافر من المعاناة منذ اندلاع هذه الحرب، ويقدر أبو نجم أن 95% من عيادات الطب البيطري في القطاع تعرضت للتدمير الكلي أو الخروح من الخدمة، نتيجة الاستهداف المباشر أو النزوح القسري، وعدم توفر الإمكانيات جراء الحصار المشدد.

وكان للطبيب أبو نجم مبادرات خيرية بإنشاء نقاط تغذية وسقيا ماء للحيوانات المشردة، ودمج الحيوانات في المجتمع، ويقول إن "الفلسطيني أثبت إنسانية عالية بإصراره على النزوح بحيواناته الأليفة، وعدم تركها خلفه فريسة للقصف والجوع، وصار يواجه معها صنوفًا يومية من المعاناة".

78f74ce2-3ebb-4d03-aca1-3e28ac80f3a4.jfif
 

وعن أصعب الحالات التي واجهته جراء تداعيات الحرب والمجاعة، يقول أبو نجم: "تعاملت مع حالات إصابة معقدة لحيوانات اضطرر لبتر أطرافها، ولم أكن أتصور يومًا أن أتعامل مع مثل هذه الحالات، وعندما عرضتُها على أطباء بيطريين يتعاطفون معنا كفلسطينيين، في بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى، أصيبوا بالصدمة والذهول، ولم يصدقوا أن هذا يحدث حتى للحيوانات في غزة".

ومن هذه الحالات قطة أصيبت بحروق شديدة في أنحاء جسدها، جراء قصف الخيمة التي تقيم بها مع الأسرة التي تقتنيها في منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس.

وفي بعض الأحيان اضطر الطبيب أبو نجم إلى خيار أسماه "القتل الرحيم" لحيواناتٍ، وقف عاجزًا عن علاجها وتخفيف آلامها.

وفي ظل نقص الغذاء والدواء الخاصين بالحيوانات، ينبه أبو نجم إلى إنه اضطر إلى إعادة تدوير واستخدام أدوية وأطعمة بشرية مع مواد أخرى، من أجل الحفاظ على حياة الحيوانات من موت يتربص بها وبالبشر في غزة.

36a81079-6b2c-4b05-8e6d-22f6db299722.jfif
 

81b56bfe-8a69-422f-8b06-1ef37824e854.jfif
 

البوابة 24