تكشف تقارير إعلامية إسرائيلية أن تل أبيب لا تملك أي نية حقيقية لإنهاء الحرب المستعرة في غزة، رغم التصريحات المتكررة حول مفاوضات جارية للتوصل إلى وقف إطلاق نار وتبادل جزئي للأسرى.
وفي الوقت نفسه، تستعد إسرائيل لتوسيع دائرة التصعيد إلى الضفة الغربية، عبر خطط لبناء 20 مستوطنة جديدة، مما يشير إلى أن التصعيد القادم بات شبه مؤكد، وفي سياق موازي، تواصل إسرائيل تهديدها بضرب إيران، حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران.
اتفاق مؤقت
ورغم أن إسرائيل قد لا تمانع في اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار يمتد لـ60 يومًا، يتضمن إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين أحياء ونصف عدد الأسرى الأموات مقابل الإفراج عن عدد غير محدد من الأسرى الفلسطينيين، إلا أنها ترفض بشكل قاطع الانسحاب من غزة.
اقرأ أيضًا:
- "عربات جدعون": المرحلة الأخيرة من الحرب أم بداية لمخطط طويل الأمد في غزة؟
- اجتماع 3 ساعات لبحث صفقة أسرى في غزة.. هل بدأ العد التنازلي للاتفاق؟
ووفقًا لمقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ستبقي القوات الإسرائيلية على مواقعها داخل القطاع، خصوصًا تلك التي سيطرت عليها منذ 18 مارس، ومنها محور صلاح الدين الحدودي مع مصر، وفي المقابل، سيتضمن الاتفاق استئناف إدخال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة.
لكن هذه التفاهمات المؤقتة لا تلبي مطالب حركة حماس، التي تصر على وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل رفضًا قاطعًا، فعقب الهدنة السابقة التي امتدت من 19 يناير إلى 18 مارس، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية، مؤكدةً أنها لا تزال ملتزمة بهدفين أساسيين: القضاء على حماس واستعادة الأسرى.
ومع ذلك، لم تحقق إسرائيل أيًا من هذين الهدفين، بل بدا واضحًا أن الحكومة والجيش قبلا واقعًا جديدًا مفاده أن هذه الأهداف أصبحت شبه مستحيلة التحقيق دون إنهاء الحرب بالكامل.
ترحيل سكان القطاع
وفيما ترفض حكومة نتنياهو الحديث عن "اليوم التالي" في غزة، فإنها تواصل التلميح إلى نوايا ترحيل سكان القطاع، وهذا ما جعل الحرب تبدو وكأنها موجهة ضد المدنيين قبل أن تكون ضد حركة حماس، فالغالبية الساحقة من الضحايا هم من المدنيين، بمن فيهم الشهداء والمصابين والمهجرين الذين دمرت منازلهم ومرافق حياتهم الأساسية.
ويعارض وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، مقترح ويتكوف بشكل قاطع، معتبرًا أن حماس في وضع ضعيف حاليًا بسبب تغير نظام توزيع المساعدات، وفقدان السيطرة على السكان، والضغط العسكري المستمر، ويرى أن تقديم تنازلات في هذا التوقيت سيمنح الحركة شريان حياة لا تستحقه، مشددًا على ضرورة إجبارها على "صفقة استسلام كاملة" تشمل إطلاق جميع المخطوفين دفعة واحدة، وأكد: "لن أسمح بإعطاء حماس فرصة للتنفس".
وفي ظل هذه المواقف، يتزايد الحديث داخل إسرائيل عن أن سموتريتش وبن غفير ليسا استثناءً في تطرفهما، بل هما انعكاس حقيقي لتوجه حكومة نتنياهو وحزب الليكود، فوجودهما في الحكومة ليس هدفه حصد مناصب، بل الدفع بأجندتهما العقائدية التي تتبنى فكرة توسعة حدود إسرائيل لتشمل كامل فلسطين التاريخية، وتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وععلى هذا الأساس، فإن الحرب على غزة قد لا تكون سوى تمهيد لحرب أوسع على الضفة الغربية.
توسيع السيطرة الإسرائيلية
وفي هذا السياق، لم يتم تعيين سموتريتش كوزير في وزارة الأمن فقط للإشراف على المستوطنات، بل لتوسيعها وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة، ضمن خطة ضم تدريجي تحظى بدعم داخل الحكومة والمعارضة على حد سواء.
وتعد المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية أداة رئيسية لتنفيذ هذا المخطط، حيث يتم زرعها على أراضٍ فلسطينية بعد السيطرة عليها بالقوة، مع دعم مباشر من الجيش الإسرائيلي.
وقد أعلن "الكابينيت" السياسي-الأمني عن المصادقة على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة، بعضها في عمق الأراضي المحتلة، إلى جانب إعادة بناء مستوطنة "سانور" التي تم إخلاؤها عام 2005، وشرعنة بؤر استيطانية كـ"حوميش".
ورغم أن إنشائها قد يستغرق سنوات، فإن كثيرًا منها صُمم ليحاصر المدن الفلسطينية مثل رام الله، ضمن سياسة خنق شبيهة بما حدث للفلسطينيين داخل أراضي 48.
وبعد وقف إطلاق النار في غزة مطلع هذا العام، شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية ضخمة في شمال الضفة، تحديدًا في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، أسفرت عن مئات الشهداء، وتهجير أكثر من 40 ألف شخص، وتدمير البنية التحتية الاقتصادية.
وامتدت الاضطرابات الأمنية إلى وسط وجنوب الضفة، والقدس أيضًا، خصوصًا بعد منع أكثر من 120 ألف عامل فلسطيني من دخول إسرائيل منذ بداية الحرب.
انتفاضة جديدة
وتشير التقارير إلى أن استمرار مخطط الضم في الضفة قد يشعل انتفاضة جديدة، حتى وإن لم تشعل حرب غزة هذه الانتفاضة، فهناك تحذيرات إسرائيلية من سيناريو ترانسفير (ترحيل جماعي) قادم، يتم تنفيذه من خلال حملة عسكرية قد ترقى إلى مستوى حرب إبادة جديدة، تشمل القتل، التجويع، والتدمير، وخلال الفترة الماضية، نفذت بالفعل عمليات ترحيل لتجمعات بدوية فلسطينية من الأغوار وجنوب الخليل.
وبات رفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية أمرًا معلنًا، ما يعني أن الصراع سيستمر إلى أجل غير مسمى، في ظل مصلحة إسرائيلية واضحة في إبقاء التوتر مشتعلاً، ليس فقط في غزة والضفة، بل على مستوى أوسع.
الملف الايراني
وبينما تتحدث إدارة ترامب عن إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي مرحلي مع إيران، أرسل نتنياهو وفدًا رفيع المستوى إلى واشنطن، يضم رئيس الموساد دافيد برنياع، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، لإقناع الولايات المتحدة بعدم المضي في الاتفاق، وأكد الوفد أن أي اتفاق نووي لا يلزم إسرائيل، ولا يمنعها من مهاجمة إيران إذا رأت ذلك ضروريًا.
ويرفض نتنياهو أي اتفاق نووي لا يتضمن تفكيكًا كاملًا للبرنامج النووي الإيراني، وهو شرط يبدو من المستحيل أن تقبله طهران، ورغم حاجة إسرائيل للدعم الأميركي في حال نشوب مواجهة مع إيران، إلا أن التهديدات مستمرة، وربما يكون الهدف منها سياسيًا أكثر من كونه عسكريًا، خاصةً مع ما قد تسببه الحرب من تداعيات دولية، كارتفاع أسعار النفط وزعزعة استقرار دول الخليج.
لكن حتى دون تنفيذ التهديدات، فإن مجرد استمرارها يضمن لإسرائيل بيئة إقليمية متوترة، تخدم مخططاتها في الداخل الفلسطيني، وتمنحها مبررًا دائمًا للتصعيد وتوسيع سياساتها التوسعية على حساب الشعوب الأخرى.