غزة/ البوابة 24- ريم سويسي:
في خيمتها، وبرفقة هاتفها النقال، تقضي علا (44 عامًا) وقتها في تصفح مستجدات الحرب. في زاويةٍ أخرى، يحاول زوجها أحمد (50 عامًا) أخذ قسطٍ من الراحة بعدٍ وقتٍ قضاه في تعبئة المياه من مدرسة مجاورة تؤوي نازحين، وسط مدينة غزة.
تشوب علاقة علا بزوجها نوع من البرود، يشبه جمود الحياة التي آلت لها غزة، وكأن جليدًا هبط على قلبيهما، جمّد المشاعر، فقطع الأحاديث "السويّة" إلا عما يحدث من فظائع وحشية تُرتكب بحق الفلسطينيين يوميًا في القطاع.
"خرس زوجي"، هكذا تقيّم علا الحالة بينهما، وتقول: "بالكاد نتحدث، وفي حال حدث ذلك فصلب الحديث يكون عن الحرب والظروف".
وتضيف بينما تقلب بأصابعها الأخبار: "لم أكن هكذا قبل الحرب، كنتُ أنتظر عودته من العمل بفارغ الصبر. ألقي كل ما يدور في خلدي من حديث على مسامعه. نضحك ونمزح، ونلاعب أطفالنا.. اليوم هذا كله غير موجود"، ثم ترفع هاتفها المحمول وتخبرنا: "اليوم، هذا هو عالمي".
جفاف عاطفي
وتحدثنا علا عن الغضب الذي صار يعتري زوجها بسبب إدمانها عليه، حتى أنه كاد يكسره في مرة. وتزيد: "وصلنا إلى حالة جفاء كبيرة. أنا في وضع نفسي صعب بسبب الحرب. أكره الخيمة، وأمقت العائلة الممتدة وتدخلاتها. أكره المعلبات، أكره عصبيته التي صارت مبالغ فيها. فوق هذا كله يطلب مني الاهتمام".
وترجع علا السبب إلى الانشغال الدائم لكليهما. "هو يلتزم بتعبئة المياه، وشحن الهواتف، وجلب الطعام وتوفيره، وأنا بغسل الملابس يدويًا وإشعال الحطب وتنظيف الخيمة والأواني. كل واحد منها لديه من الهموم ما يكفي، وقد اعتدنا على هذا الوضع منذ أكثر من 600 يوم" تقول، واصفةً العلاقة بينهما بالقول: "وكأننا أصبحنا زميلين في العمل، لا شيء بيننا سوى إنجاز المسؤوليات والمهام المطلوبة".
وبعد محاولات للحديث مع زوجها، أقر: "الحرب خرّبت علاقاتنا تمامًا. ما نعيشه كافٍ ليُخرس البشرية كلها، وليس فقط الأزواج (..) أكذب إن قلت إنني أحتفظ بنفس مشاعري القديمة لزوجتي. أنا كرب أسرة الآن، لا يشغل بالي سوى إنقاذ عائلتي من براثن هذه الحرب الضروس".
ويزيد: "أحيانًا نجلس أنا زوجتي لساعات طويلة، نجلس لكننا لا نتفوه بكلمةٍ معًا. لا أعرف كيف يمكن أن نتخلص من هذه الحالة إذا انتهت الحرب".
وتعد تفاصيل الحياة الزوجية بين علا وأحمد، نموذجًا مصغرًا لطبيعة العلاقات الزوجية في أنحاء قطاع غزة، لا سيما في ظل واقع النزوح وظروف العيش في خيام، بعد استهداف المنازل في مناطق واسعة من القطاع.
صدمة
يقول رامي (25 عامًا) النازح من منطقة عزبة عبد ربه، شمالي قطاع غزة، بينما يحتسي وحده فنجانًا من القهوة وسط خيمة نصبها أمام بيته المدمر: "زوجتي تركتني قبل أيام بعد احتدام الخلاف بيننا، والسبب وفق شكواها أنني لم أعد أطيق الحديث معها منذ بداية الحرب".
ويردف: "قد يكون معها حق، لكن الأمر خارجٌ عن إرادتي فأنا متعب جسديًا ونفسيًا. من أين نأتي بصفاء القلب والنفس لأحاديث عادية، أو حتى لكلمة حب نقولها على حين غفلة؟".
ويزيد: "تشتكي زوجتي أنني أصبحت مشغولًا عنها، لا سيما وأننا لسنا متزوجين منذ فترة طويلة.. قبل الحرب بعام ربما، ومعها كل الحق في احتقانها لكن الأمر ليس بيدي. أنا مشغول طوال الوقت: تعبئة المياه والتحطيب وشحن البطارية للإضاءة ليلًا، وبعد هذه المهام الشاقة، لا أطيق الحديث مع أحد.. بما فيهم زوجتي".
ويختم: "لو سمع أحد أنها تركت البيت اعتراضًا على عدم الاهتمام بها من الناحية الشعورية والعاطفية لضحك علينا! هل هناك من يفكر بهذا الشيء وسط زحام الموت هنا؟".
السبب والحل
ويؤكد الأخصائي النفسي والاجتماعي حمادة هارون، انتشار ظاهرة الخرس الزوجي منذ بدء الحرب على غزة، "وهي ظاهرة لا يفصح عنها الأزواج بسبب الظروف الصعبة والاستثنائية التي يمر بها قطاع غزة.. الحديث عنها هو ترف في ظل الواقع المعيشي المتردي".
ويعرف هارون الخرس الزوجي بقوله: "هو حالة من الصمت أو الانقطاع عن التواصل بين الزوجين، حيث يختار أحدهما أو كلاهما عدم التعبير عن مشاعره أو التوقف عن الحديث حول القضايا اليومية، والاكتفاء بعلاقة السؤال والإجابة"، مبينًا أن هذا يؤدي إلى توتر في العلاقة قد يصل بالزوجين إلى الطلاق في بعض الأحيان".
وفيما يتعلق بهذه المشكلة النفسية والاجتماعية داخل قطاع غزة على وجه التحديد، يضيف: "نتيجة الحرب والأحداث الدامية التي نعيشها يوميًا تقتصر الحياة الزوجية والعلاقة بين الزوجين على تلبية الحاجات المادية الملموسة مع طرح المشاعر الإنسانية جانبًا".
وهنا يتواصل الزوجان فقط بالتفكير في كيفية توفير الطعام والشراب وتجنب أضرار الحرب، بينما تتلاشى -مؤقتًا- المشاعر التي من المفروض أن يشعر بها أحدهم تجاه الآخر -وفقًا له.
ويتابع: "هناك طرق فعالة لعلاج الخرس الزوجي، أما الخرس المرتبط بظروف غزة فهو مرتبط بوجود السبب وهي الحرب الدموية الدائرة حاليًا، التي بانتهائها ستُعالج الكثير من الإشكاليات المعقدة النفسية والاجتماعية".