يُعد يوم عرفة من أعظم أيام الله، فهو يوم تتنزل فيه الرحمات وتُجاب فيه الدعوات وتُغفر فيه الذنوب وتُعتق فيه الرقاب من النار. يقف المسلمون في هذا اليوم ملبين لله عز وجل، رافعين أكفّهم بالدعاء والتضرع، راجين رحمته ومغفرته وفضله. ولأن الدعاء فيه له مكانة عظيمة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثّ عليه ويكثر منه في عرفات، وبيّن أن خير الدعاء هو دعاء يوم عرفة.
فضل يوم عرفة
يتجلى في أنه اليوم الذي أتمّ الله فيه نعمته على الأمة الإسلامية، ففيه نزل قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾. وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة هذا اليوم في قوله: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة". ولذا، فإن المؤمنين، حجاجًا وغير حجاج، يحرصون على إحياء هذا اليوم بالطاعة والدعاء، لما فيه من الفضل والأجر العظيم.
خير الدعاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم هو ما قاله هو والنبيون من قبله: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". هذا الذكر العظيم يجمع جوهر التوحيد، والثناء على الله، والاعتراف بملكه المطلق وقدرته الكاملة، مما يجعله من أحب الأقوال إلى الله عز وجل في هذا اليوم المبارك.
ويُستحب للمسلم أن يُكثر من الدعاء في هذا اليوم بما شاء من خير الدنيا والآخرة، مع تكرار الأدعية النبوية الجامعة، مثل: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، و"اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي..."، وغيرها من الأدعية المأثورة.
ينبغي أيضًا أن يتحلى الداعي بآداب الدعاء، فيبدأ بحمد الله والصلاة على نبيه، ويكون خاشعًا حاضر القلب، موقنًا بالإجابة، ويُلحّ في الطلب، ويُكرر دعاءه بلا استعجال. كما يُستحب أن يرفع يديه، ويستقبل القبلة، ويتجنب الدعاء بإثم أو قطيعة رحم. الإخلاص، وحسن الظن بالله، والانكسار بين يديه، من أهم أسباب قبول الدعاء في هذا اليوم الكريم.
ومن الأدعية التي تفيض بها القلوب في يوم عرفة أدعية التوبة والاستغفار، كـ "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"، و"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني"، وسيد الاستغفار، لما فيها من تجديد العلاقة مع الله والتوبة من الذنوب.
ولا يُغفل المسلم عن الدعاء بطلب الرزق والبركة، كأن يقول: "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك"، و"اللهم ارزقني رزقًا طيبًا مباركًا واسعًا". فالدعاء لا يقتصر على الآخرة وحدها، بل يشمل حاجات الدنيا المشروعة أيضًا.
تُعدّ الساعات التي تلي زوال الشمس حتى غروبها من أفضل أوقات الدعاء في يوم عرفة، فقد وقف فيها النبي صلى الله عليه وسلم يلهج إلى ربه بالدعاء، وهي أوقات رجاء وقرب من الله لا ينبغي التفريط فيها.
وأخيرًا، فإن جبل عرفات، بكل ما يحمله من رمزية، يذكّر المسلم بموقف الحشر، ويحثه على مزيد من التوبة والإنابة. ومن أي موضع في الأرض، يستطيع المسلم أن يعيش روح هذا اليوم بالدعاء والإقبال على الله.