حوامل وحُقن "اكليكسان" منتهية الصلاحية.. الصحة: "لا نصل المناطق الحمراء"!

صورة توضيحية
صورة توضيحية

غزة/ البوابة 24- جمال موسى:

في كل مرة تمسك السيدة أنعام بحقنة الـ"كليكسان"، تتردد للحظة قبل أن تغرسها في بطنها، فهي تعرف جيدًا أن صلاحيتها انتهت، وأن استخدامها قد يعرضها ويعرض جنينها للخطر "لكن ما من بديل" تقول بيأس.

تتحدث إنعام سلمان لـ"البوابة 24"، وهي في أشهر حملها الأولى: "أشعر بالخوف في كل مرة أحقن فيها نفسي، لكن لا خيار آخر لدي هذه الإبر ضرورية لإنقاذي من خطر الإجهاض".

إنعام، التي فقدت ثلاثة أحمال سابقة خلال العامين الماضيين، أكدت أن طبيبتها المختصة أوصتها باستخدام هذه الحقن يوميًا منذ بداية الحمل، بسبب معاناتها من تجلطات دموية تتسبب بإجهاض الجنين في الشهر الأول أو الثاني.

وقد خضعت لسلسلة فحوصات طبية خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023، فأظهرت حاجتها إلى استخدام مثبتات الحمل هذه.

ومنذ بدء الحرب، بات الحصول على الأدوية في غزة معضلة كُبرى فالحرب الضروس على القطاع والحصار الإسرائيلي الخانق، ومنع إدخال الأدوية، جعلت من الصيدليات أماكن خالية من معظم الأدوية الأساسية، ومنها الـ"كليكسان" والـ"هيباررين"، وهي من مضادات التخثر، الضرورية للحالات التي تشبه حالة "إنعام".

وتمضى سلمان بالقول: "لم أجد الإبرة في أي مكان، وبعد البحث، عثرت على كمية حقن بديلة، منتهية الصلاحية، في أحد الأسواق الشعبية وبعض صيدليات القطاع، وعندما أخبرت الطبيبة وسألت صيدلانية، أكدتا لي أن الحقن ما زالت فعّالة وآمنة، طالما أن شكلها لم يتغير".

وأشارت إلى أنه وبسبب تردي أوضاع زوجها الاقتصادية، اضطرت إلى شراء تلك الإبر -بعد الرجوع إلى طبيبتها المعالجة- وبمبلغ زهيد، وخاصة بعد التطمينات التي حصلت عليها.

ورغم تلك التطمينات، يبقى التوتر حاضرًا، فالخطر قائم. تزيد: "أخشى أنني أعرّض نفسي وجنيني للأذى. فقدت ثلاثة أطفال قبل ذلك، ولست مستعدة لفقدان الرابع".

ميزان الضرر والمنفعة

ويوضح الصيدلاني د.ذو الفقار سويرجو، الذي يعمل في مجال الصيدلة منذ أكثر من 38 عامًا، أن استخدام الأدوية منتهية الصلاحية هو إجراء محفوف بالمخاطر، خاصة في الظروف الطبيعية، لكنه قد يصبح مقبولًا في حالات الطوارئ، وفقًا لضوابط معينة.

وقال في حديث لـ"البوابة 24": "بشكل عام، يُعد استخدام الأدوية بعد انتهاء صلاحيتها أمرًا غير موصى به، خاصة بالنسبة للمضادات الحيوية، الفيتامينات، والهرمونات، كونها تتحلل كيميائيًا وقد تتحول إلى مركبات سامة تؤثر على الكلى أو القلب".

لكنه يضيف: "في حالات الطوارئ، مثل تلك التي يعيشها سكان غزة، يمكن النظر لاستخدام بعض الأدوية منتهية الصلاحية بشرطين: ألا تتجاوز فترة انتهاء الصلاحية عامًا واحدًا، وألا تكون هناك تغيرات في الخواص الفيزيائية للدواء، مثل اللون أو الشكل أو الرائحة".

وفيما يتعلق بحقن "الكليكسان" ومثيلاتها من أدوية التخثر، يؤكد سويرجو، أن استخدامها في مثل حالة "إنعام" ضروري، لأن الخطر الأكبر يكمن في عدم استخدامها.

وأضاف: "عندما تُقيّم الحالة بين منفعة استخدام الدواء رغم انتهاء صلاحيته، وخطر ترك العلاج، فإننا نُرجّح المنفعة، خاصة إذا لم تتغير الخواص الفيزيائية للدواء".

وأشار إلى أن مثل هذه الممارسات ليست جديدة، إذ استخدمت جيوش كبرى كالجيش الأمريكي وجيش الاحتلال الإسرائيلي، أدوية منتهية الصلاحية بعد فحص خواصها وإعادة تقييمها، بل وتم تجديد صلاحية بعض الأدوية لاستخدامها في ساحات الحرب.

وحول الرقابة الدوائية في قطاع غزة، أوضح سويرجو، أن المنظومة الصحية شبه منهارة بسبب الحرب المستمرة، وأن أغلب المستشفيات خرجت عن الخدمة، ما جعل الرقابة الرسمية شبه معدومة.

وأضاف: "اليوم، الرقابة ذاتية.. كل صيدلاني يعمل بدافع انتمائه للمهنة والشعب، لا توجد مؤسسات تفحص الأدوية، ونعتمد على خبرتنا الشخصية لتقدير صلاحية الدواء بناءً على الشكل واللون".

ولفت إلى أن كثيرًا من الأدوية، خاصة تلك التي لا تحتاج لتبريد، قد تبقى صالحة للاستعمال لفترة قصيرة بعد انتهاء الصلاحية، إذا لم تتعرض لتغيرات بيئية كبيرة.

غياب البدائل

وللوقوف أكثر على هذا الموضوع التقت "البوابة 24" بأخصائي أمراض النساء والتوليد ورئيس قسم الولادة في مجمع الصحابة الطبي الدكتور محمد صالح، الذي قال: "النساء الحوامل اللواتي يعانين من حالات الإجهاض المتكرر أو وفاة الجنين داخل الرحم، يُوصى لهن بتلقي علاجات دوائية محددة مثل إبر الهيبارين والاكليكسان، بهدف تثبيت الحمل ومنع فقدان الجنين".

وأكد الدكتور صالح، أن عدم الالتزام بهذه الجرعات يهدد الحمل بشكل مباشر، ويزيد من احتمال حدوث مضاعفات خطيرة.

وأشار إلى أن بعض الحوامل يواصلن استخدام هذه الإبر حتى ما قبل الولادة بأيام، وذلك وفقًا لتعليمات الطبيب المعالج، إلا أن الواقع الميداني في قطاع غزة، في ظل الحصار والنزوح المتكرر، أدى إلى ارتفاع لافت في معدلات الإجهاض، لا سيما في ظل شح الأدوية الأساسية ومثبتات الحمل.

وأوضح أن شح هذه الأدوية، ومنها الهيبارين والاكليكسان، يعود إلى الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع، الذي حال دون دخول الأدوية والمستهلكات الطبية منذ عدة شهور، ما اضطر بعض النساء لاستخدام أدوية منتهية الصلاحية.

وأضاف: "استخدام أدوية منتهية الصلاحية يتم في أحيان كثيرة نتيجة غياب البدائل وضغط الظروف الإنسانية الطارئة"، مؤكدًا أن هذا الأمر يتم على مسؤولية الفرد دون إشراف طبي، وغالبًا ما تنطوي عليه مخاطر صحية جسيمة سواء للأم أو الجنين.

وأكد أن الأدوية المنتهية الصلاحية قد تتسبب في أضرار بالغة، خاصة إذا تم الحصول عليها من مصادر غير موثوقة أو إذا لم يتم حفظها بالشكل المناسب، وهو ما يجعل استخدامها غير آمن بالمطلق، لا سيما في الأدوية الحساسة كإبر تثبيت الحمل.

وشدد الدكتور صالح، على أن الكثير من الأدوية الضرورية لم تعد متوفرة في صيدليات ومستشفيات القطاع، نتيجة الحرب وإغلاق المعابر ومنع دخول الأدوية، ما أدى إلى نقص حاد في مثبتات الحمل.

خطر كبير

وحول الرقابة على الأدوية طرقت "البوابة 24" أبواب وزارة الصحة في قطاع غزة، حيث أكد نائب عام مدير الصيدلة بوزارة الصحة في غزة الدكتور زكري أبو قمر، أن الوضع القائم فرض تحديات جسيمة على قطاع الصحة، لا سيما فيما يتعلق برقابة جودة الأدوية.

وأضاف الدكتور أبو قمر: "ليس كل ما هو متاح في السوق المحلي آمن أو سليم، وبعض الأصناف المنتهية الصلاحية تُستخدم رغم حظرها، وذلك نتيجة ضعف الإمكانيات وانعدام البدائل".

وبيّن أن وزارة الصحة تضطر في بعض الحالات النادرة لتمديد صلاحية بعض الأدوية بعد إجراء فحوصات مخبرية دقيقة، وفي ظل ظروف إنسانية ملحة فقط، مشيرًا إلى أن هذا التمديد يتم بشكل مقيد ويخضع لمعايير علمية صارمة.

وأضاف: "ما يُتداول في السوق من أدوية منتهية الصلاحية، أو ما يُباع في نقاط البيع العشوائية، يمثل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة، في ظل صعوبة وصول طواقم الرقابة إلى كثير من المناطق التي تصنف كـ "مناطق حمراء" نتيجة الحرب".

وكانت وزارة الصحة في غزة، أصدرت بيانًا بتاريخ 20 أيار/مايو، حذرت فيه من شراء الأدوية من الباعة المتجولين والأسواق الشعبية، حيث يُعرض الكثير منها في ظروف غير صحية وتحت حرارة الشمس المباشرة، مما يفقدها فعاليتها وقد يحولها إلى مواد ضارة.

ودعت الوزارة المواطنين إلى التوجه فقط إلى الصيدليات المرخصة، التي تضمن جودة الأدوية وصحة مستخدميها، محذرة من أن تداول الأدوية في أماكن غير مرخصة قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تصل إلى الوفاة.

البوابة 24