رغم التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل، تبقي طهران حتى الآن على جزء كبير من ترسانتها الصاروخية بعيدة عن ساحة المواجهة، فيما تستخدم جزءًا محدودًا من صواريخها متوسطة وبعيدة المدى، وللافت أن إيران لم تكشف رسميًا عن طبيعة الصواريخ التي أطلقتها مؤخرًا، وهو أمر غير معتاد مقارنة بهجماتها السابقة التي غالبًا ما كانت تُرفق بمقاطع فيديو وتفاصيل تقنية.
ويشير مراقبون إلى أن هذا الصمت الإيراني المتعمد يعكس استراتيجية جديدة تتضمن توظيف الغموض كأداة عسكرية ونفسية، خصوصًا مع استمرار سقوط الصواريخ على أهداف داخل إسرائيل.
صواريخ باليستية
ورغم غياب البيانات الرسمية، فإن خبراء عسكريين إسرائيليين تمكنوا من تحليل نوعية الصواريخ بناءً على آثار الدمار، ويؤكد الباحث تال إنبار المختص بالدفاع الصاروخي، أن الهجمات الحالية تظهر استخدام إيران لعدد من الصواريخ الباليستية المعروفة لديها، أبرزها صواريخ "قادر" و"عماد" التي تعمل بالوقود السائل، بالإضافة إلى صاروخ "خيبر شيكان" الذي يعمل بالوقود الصلب.
وتنتمي صواريخ "قادر" و"عماد" إلى الفئة ذاتها، وتبلغ مداها نحو 1800 كيلومتر وقادرة على حمل رؤوس حربية يصل وزنها إلى 750 كيلوغرامًا، وإن لم تكن هذه الرؤوس كلها متفجرة، ويتميز صاروخ "عماد" بدقة أعلى من "قادر"، وقد سبق رصده في هجمات "الوعد الصادق" عام 2023.
أما صاروخ "خيبر شيكان" الأحدث، فيمتاز بسرعة ودقة أكبر بفعل دفعه بالوقود الصلب، ويبلغ مداه نحو 1400-1500 كيلومتر ما يعني أنه لا يمكن أن يصل إلى العمق الإسرائيلي إلا إذا أطلق من غرب إيران، ويحمل برأس حربي أخف (500-600 كغم)، لكنه أكثر تطورًا من حيث المناورة.
أقوى صواريخ إيران
ورغم توارد أنباء عن استخدام إيران لصاروخ "شهيد حاجي قاسم" – المسمى على اسم القائد الراحل قاسم سليماني – إلا أنه لم يتم تأكيد استخدامه رسميًا، وهذا الصاروخ، الذي يصنف ضمن فئة الفرط صوتية (Hypersonic) ويعمل بالوقود الصلب، يقال إنه يمكنه دخول الغلاف الجوي بسرعة تصل إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت، ويعتقد أنه مزود بتقنيات توجيه كهروضوئية عالية الدقة، إلا أن خبراء غربيين يشككون في تصنيفه كفرط صوتي بسبب افتقاره للمناورة ثلاثية الأبعاد.
وبحسب الباحث الإسرائيلي يهوشوا كاليسكي، هناك احتمال أن إيران أطلقت بالفعل صاروخًا من هذا الطراز نحو مدينتي بات يام أو رحوفوت في 15 يونيو، وربما كان أحد الأهداف هو معهد وايزمان للعلوم.
ورغم تصاعد الهجمات، لا تزال إيران تحتفظ بأقوى صواريخها وهو "هورامشهر"، الذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بـ"سلاح يوم القيامة"، ويتميز هذا الصاروخ بقدرته على حمل رأس حربي يصل وزنه إلى 1800 كغم، ما يجعله واحدًا من أثقل الصواريخ التقليدية في الترسانة الإيرانية.
ورغم تقديمه رسميًا في عام 2017، لم تسجل أي حالة استخدام له حتى الآن، فيما يقول تال إنبار إنه في حال سقوط هذا الصاروخ على شارع رئيسي أو منطقة حضرية، يمكن أن يمحو مباني بأكملها على جانبي الطريق.
وبينما تثار الشكوك حول عدد هذه الصواريخ، فإن إيران لا تزال تملك آلافًا من الصواريخ التقليدية مثل "قادر" و"عماد"، أما عن الحجم الإجمالي للترسانة، فتقدرها مصادر عسكرية إسرائيلية بنحو 3000 صاروخ باليستي قبل بداية المواجهة الحالية، ويعتقد أن هذا العدد تراجع إلى 2000 صاروخ بعد استخدام حوالي 200 صاروخ وتدمير البعض منها في الغارات الإسرائيلية.
ويؤكد كاليسكي أن إيران أطلقت ما يقارب 100 صاروخ في يوم واحد فقط مؤخرًا، ما يشير إلى قدرتها على الحفاظ على وتيرة نارية عالية تصل إلى 100 صاروخ يوميًا لمدة تقارب ثلاثة أسابيع متواصلة.
تكلفة ترسانة إيران
أما عن تكلفة هذه الترسانة، فلا توجد أرقام دقيقة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الصاروخ الإيراني المتوسط يكلف حوالي مليون دولار، وتزداد الكلفة بشكل كبير لصواريخ مثل "هورامشهر"، لكن انخفاض تكاليف العمالة وسيطرة الحرس الثوري الإيراني على الإنتاج يساهم في تقليص النفقات.
وقد تم تطوير معظم هذه الصواريخ على أساس التصميمات الكورية الشمالية، لا سيما صاروخ "شهاب 3" الذي تم تعديله من نماذج كورية مستندة بدورها إلى صواريخ سكود السوفيتية، ويعتقد أن "هورامشهر" أيضًا مستوحى من منصة كورية مختلفة.
كيف تواجه إسرائيل هذا الخطر؟
تعتمد تل أبيب على استراتيجية مزدوجة تشمل الضربات الجوية بواسطة الطائرات الحربية والمسيرات، إلى جانب عمليات استخباراتية تنفذها شبكات مرتبطة بالموساد داخل إيران، ومن بين الأهداف التي استهدفت مؤخرًا، قواعد صاروخية ومنشآت إنتاج ومنصات إطلاق في مدن مثل شيراز وكرمانشاه.
ويقول تال إنبار، إنه حتى وإن تم تدمير كل المصانع والمستودعات، فإن إيران كدولة صناعية تمتلك المعرفة والخبرة والبنية التحتية التي تتيح لها إعادة البناء على المدى الطويل، ويشبه إنبار الوضع بما حدث في العراق عام 2003، حين لم ينهى برنامج الصواريخ إلا بعد تغيير النظام بالكامل.
ويخلص إنبار إلى أن الاعتقاد بإمكانية تصفية برنامج إيران الصاروخي بشكل نهائي هو تفاؤل مفرط لا يستند إلى الواقع، خاصة في ظل القدرات الإيرانية المستمرة في التطوير والإنتاج والاستعداد لحروب استنزاف طويلة.