غزة.. من الوطن إلى الغابة

بقلم: نيفين اسليم

غزة اليوم لم تعد مدينة منكوبة فقط، بل تحولت إلى غابة مفتوحة تحكمها العصابات، ويتقاسمها البلطجية وقطاع الطرق، وسط غياب تام لأي سلطة حقيقية قادرة على إنهاء النزيف أو وقف المأساة.
أكثر من عامين من الحرب العبثية، دون أفق، دون حل، ودون حتى محاولة جادة لوقف دوامة الدمار. سنتان من القصف والتشريد والتجويع… وكأن الشعب لا يحسب ضمن معادلة القرار.

وفي المقابل، شهد العالم مواجهة حادة بين إيران وإسرائيل، لكن خلال أسبوع واحد ، تحركت القيادات هناك وتم احتواء الأزمة بعقلانية، حرصًا على استقرارهم الاقتصادي وخوفا على شعوبهم.
أما نحن؟ فندفع الثمن يوما بعد يوم… لا نخسر فقط الأرواح، بل نخسر ما هو أعمق: العمر، والتعليم، والكرامة، والمستقبل.
نعيش الذل وكأنه واجب وطني، والموت صار مشهدا يوميا نمر عليه مرور الكرام.

بلدنا اليوم صارت نسخة معدلة من لعبة "سرقة القرن"  بس مع شوية إضافات:
حرامية في كل زاوية، بلطجية بنسخة ثلاثية الأبعاد، تجار فجار – مش غلط مطبعي – وأصحاب صرافات بياخدوا عمولة كأنهم بيشحنوا على المريخ: 45%!
بتدفع نص مصاريك بس علشان يغيرولك شوية ورق ملون!

وإذا فكرت تشتكي؟ بتلاقي أصحاب مقولة: "حط راسك بين الرؤوس وقول يا قطاع الطرق".
فعلا… بلد فيها أنواع من اللصوص أكثر من أنواع البسكوت في السوبر ماركت.

ومن باب الصدفة أو لعنة الواقع وأنا بكتب هالكلمات، مر قدامي رجل محترم، من شكله باين إنه ابن أصل وناس. ماشي بالشارع ودموعه بتنزل بلا استئذان.
مش طالب فلوس، ولا بيشحذ مساعدة… بس بده شغل.
أي شغل!
يحفر بئر، ينظف شارع، يزيل زبالة من الشوارع وبين أزقة المخيم المهم يطعمي بناته الأربعة.
رجل بيبكي من القهر…
وييجي واحد – من جماعة الحكماء جدا – يقوله    
  ليش ما تروح على نقاط المساعدات؟ عندك أكثر
من مكان وأكثر من نقطة 
يا عبقري زمانك!
بتدله على الذل وكأنك بتهديه وردة.
المصيبة مش بس في الفقر…
المصيبة الأكبر إننا صرنا نوجه بعضنا للموت بدل الحياة.
ولو استشهد هالراجل الشريف…
مين حيربي بناته؟
أنت؟
ولا قطاع الطرق؟
ولا الحرامية؟
ولا شلة المشاريع الوهمية اللي بيشحذوا على حسابنا؟
ولا أصحاب العمولات اللي لو يقدروا ياخدوا منك الهوا… ما بقصرو؟

يا جماعة…
اصحوا!
البلد ما بدها لجنة…
بدها ضمير.
بدها نعيد بناء مش بس الحجارة…
بدها نلم ما تبقى من الروح.
خافوا على الوطن، 
قبل ما يصير مجرّد قصة نحكيها لأولادنا.
والمشكلة؟
ما عاد فينا نخلفهم… من كتر اليأس والإحباط الذي نعيشه كل يوم .

البوابة 24