عاد أبراهام وسمعان مش هان؟

بقلم: ميسون كحيل

لا بدّ من الإشارة أولًا إلى نقطة تتعلّق بعلاقة بعض الدول العربية بالسلطة الفلسطينية، دون تضليل أو تمويه؛ إذ إنّ هناك دولًا عربية شقيقة لم تَعُد على علاقة جيّدة بالسلطة، مع تجميل مكشوف للمواقف!

وللأسف، لم تتوقّف بعض هذه الدول عند حدود سوء العلاقة، بل تعمل على إضعاف السلطة ومحاولة تجريدها من شرعيّتها. وتنوّعت هذه الدول في طريقة تعاملها مع السلطة، من خلال دعم أطراف فلسطينية أخرى على حسابها، وهو أمر يستدعي معالجة شاملة لنقاط الخلاف رغم صعوبتها.

في الفترة السابقة لحكم دونالد ترامب للولايات المتحدة، خرج علينا بما يُسمى "صفقة القرن"، تَبِعَتها سلسلة من اتفاقيات تطبيع العلاقات بين دول عربية والكيان الصهيوني. وبالرغم من العناوين الكبيرة لهذه الاتفاقيات المجحفة بالحقين العربي والفلسطيني، إلا أن عددًا من الدول العربية وقّع على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني تحت مسمى "اتفاقيات أبراهام".

تدريجيًا، انخرطت الدول العربية المعنيّة في مفاوضات لتطبيع العلاقات والتوقيع على الاتفاقيات الفرعية كافة، دون أدنى اعتبار للحقوق الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية، أو حتى الحقوق العربية في أراضيها ومدنها، وعلى رأسها القدس.

وبدلًا من موقف عربي حازم يوقف هذا التطبيع، لحقت دول عربية أخرى بهذه الاتفاقيات ووقّعت على التطبيع الكامل، ليصبح عدد الدول الموقعة أربعًا، ما منح الكيان فرصة للعمل على ضم دول عربية وإسلامية وأفريقية أخرى لهذه الاتفاقيات، مثل موريتانيا، الصومال، وإندونيسيا.

لقد أثارت هذه الاتفاقيات غضبًا واسعًا وجدلاً مثيرًا في الأوساط السياسية، ما بين مؤيد ومعارض، بينما كان واضحًا أنها تصبّ في صالح الاحتلال وتتجاهل الحقوق الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، لم تكترث الدول المؤيدة، بل عزّزت علاقاتها الاقتصادية وتعاونها في مجالات عديدة مع الكيان.

ورغم التغيرات السياسية في المنطقة، والخلاف الذي تفاقم بسبب رغبة إسرائيل بضم أراضٍ جديدة، يبدو أن هذا النهج يستهدف تصفية القضية الفلسطينية. بدأت بعض المواقف الرافضة بالظهور، إلا أن الدول الأربع المطبّعة لم تتراجع إلا بتصريحات خجولة، دون إعلان عن قطع العلاقات.

تجمّدت الاتفاقيات لا بسبب موقف عربي موحد، ولا لأن "سيدنا إبراهيم عليه السلام" غائب عن الاتفاقية، بل لأن ترامب فشل في الانتخابات وتسلّم بايدن الرئاسة. أما الآن، فقد عاد ترامب مجددًا لرئاسة الولايات المتحدة، ويحرص على استئناف "صفقة القرن" وإتمام اتفاقيات أبراهام، واضعًا عينيه على المملكة العربية السعودية، التي أعلنت مرارًا وتكرارًا عن رفضها لهذه الاتفاقيات ما لم يتم منح الفلسطينيين حقوقهم وإقامة دولتهم، باعتبار أن حلّ القضية الفلسطينية هو الأساس لإنهاء الصراع.

لكن ترامب يرى أن بعض العرب يعتبرون أن هناك إمكانية قوية لإتمام الاتفاقات دون الفلسطينيين، وهو ما سيعمل عليه في المرحلة القادمة، فخطته قديمة عنوانها "أبراهام" ومضمونها: اتفاقات سلام بين أكبر عدد ممكن من الدول العربية والكيان الصهيوني، ونهايتها تفريغ "حل الدولتين" من مضمونه وتهميش كامل للفلسطينيين، بعد أن أبدت بعض الدول العربية موافقتها غير المعلنة!

والسؤال الجوهري الآن: 
ماذا فعلت الدبلوماسية الفلسطينية لمواجهة هذا المخطط الذي سيُستأنف؟
هل وضعت خطة مضادة وكرّست الجهود في جميع الساحات العربية والإقليمية والدولية لإفشال مخطط ترامب؟
هل حاولت بناء جسور مع أطراف إسرائيلية رافضة للاتفاقات وضد تهميش الفلسطينيين؟
هل بدأت فعليًا بتنظيم الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني؟
ألا يلزم طلب اجتماع عربي وإسلامي تحضيرًا لرفض هذه الاتفاقات بشكل عملي لا لفظي؟
ألا يمكن طلب اجتماع مع الاتحاد الأوروبي لدعم التوجّه الفلسطيني؟
فالتحرك الآن ضروري، خاصة بعد مجمل التطورات التي حدثت في المنطقة.

أم سنبقى نقول: "عاد أبراهام، وسمعان مش هان؟!"

كاتم الصوت: العمل جارٍ على قدم وساق، حيث تسعى الحكومة إلى اتفاق كامل مع البنوك لصرف جميع مستحقات الموظفين المتأخرة. بس هاي مش ضمن خطة مواجهة صفقة القرن.

كلام في سرك: استبدال السفراء دون أسباب مقنعة وتعيين سفراء جدد... أمر يحتاج إلى دراسة. هاي مش حجة مقنعة للإصلاح.

رسالة: يجب تفعيل عمل الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج: سفارات، مؤسسات، اتحادات. المرحلة القادمة صعبة، وتحتاج إلى جهود من الجميع. أصدروا القرارات... واحتفظوا بالأسماء.

البوابة 24