إدارة ترامب تعيد رسم أولوياتها في الشرق الأوسط.. ماذا عن غزة؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

كشفت مصادر مقربة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن البيت الأبيض اتخذ منعطفًا استراتيجيًا جديدًا، يتمثل في تركيز الجهود على إنجاز ملموس في قطاع غزة، بعد تعثر محاولاته السابقة لإحداث اختراق في الملف النووي الإيراني والتوصل إلى تسوية شاملة مع طهران. 

وجاء هذا التحول مدفوعًا بإدراك متزايد داخل الإدارة الأمريكية بأن المراهنة على انفتاح إيراني تفاوضي أصبحت شبه مستحيلة، في ظل تعنت طهران ورفضها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ترامب يعلن هدنة مفاجئة

في خطوة لم تسبقها مقدمات إعلامية، أعلن الرئيس ترامب بشكل مفاجئ توصله إلى تفاهم مع مسؤولين أمنيين في الحكومة الإسرائيلية بشأن هدنة تستمر 60 يومًا في قطاع غزة، وجاء هذا الإعلان من طرف واحد، دون أي تصريح مسبق من البيت الأبيض حول وجود مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ما يدل على أن التحضيرات تمت بسرية تامة بعيدة عن الإعلام.

وبحسب ما نقلته مصادر مطلعة، فإن فريق الرئيس ترامب بات ينظر إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في غزة كأولوية استراتيجية بديلة عن الرهان الفاشل على التوصل لاتفاق مع إيران، حيث كان الطموح الأمريكي يتجاوز البرنامج النووي ليشمل إعادة ترتيب دور إيران الإقليمي، وتشجيعها على المساهمة في مشروع نووي سلمي مشترك في الشرق الأوسط، يكون بوابة لعلاقات طبيعية مع الخليج وإسرائيل.

الخيبة الإيرانية

ووفق المصادر ذاتها، فإن خيبة الأمل من إيران أصبحت عميقة إذ لم تحقق الضربة العسكرية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية أهدافها الاستراتيجية، فقد كانت التقديرات في مجلس الأمن القومي الأمريكي تشير إلى أن طهران بعد تلقيها الضربة سوف تتجه إلى تليين مواقفها وتقديم تنازلات تفاوضية، إلا أن الواقع خالف التوقعات مع استمرار إصرار إيران على مشروعها النووي ورفضها التعاون المستقبلي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما أعاد حالة الغموض والشك إلى كل ما يتعلق بأنشطتها النووية.

وأضافت المصادر أن فريق الأمن القومي في البيت الأبيض بات يرى أن الشفافية النسبية التي أظهرتها طهران في الجولات التفاوضية السابقة قد تراجعت بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة، وأن الفجوة بين أهداف الإدارة الأمريكية والنوايا الإيرانية لا تزال واسعة جداً ولا يُتوقع ردمها قريبًا.

ساحة بديلة لإنجاز سياسي

أمام هذا الواقع، قرر الرئيس ترامب، وفقاً لما نقلته المصادر، تحويل بوصلته السياسية نحو قطاع غزة باعتباره ميدانًا أكثر واقعية لتحقيق إنجاز دبلوماسي ملموس، وأشارت المصادر إلى أن الإدارة الأمريكية ترى أن الظروف الحالية في غزة تتيح إمكانية التوصل إلى اتفاق تهدئة، لا سيما في ظل وجود قنوات تفاوضية نشطة جرى العمل عليها بسرية مطلقة لعدة أشهر، بمشاركة وسطاء إقليميين بارزين مثل مصر وقطر.

 

وأكدت المصادر أن هذا التوجه جاء بعد أن استعرض الرئيس ترامب كافة المعطيات الاستخباراتية والدبلوماسية، ووجد أن الفرصة أصبحت مواتية لاستئناف الجهود التي كان قد بدأها مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والتي نجحت سابقًا في تحقيق تهدئة مؤقتة قبل أن تنهار الأوضاع مجددًا.

خطة ترامب

يشعر فريق الرئيس ترامب أن تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والدخول في هدنة لمدة 60 يومًا سيكون خطوة أولى على طريق تحسين الأوضاع الإنسانية، وتهيئة الأرضية السياسية للتوصل إلى تسوية دائمة. 

وأكدت المصادر أن ترامب يراهن على ممارسة ضغوط شخصية مباشرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتوازي مع تشجيع الوسطاء الإقليميين على دفع حركة حماس للانخراط الجاد في التهدئة.

كما يتطلع ترامب إلى لقاء مرتقب مع نتنياهو في البيت الأبيض خلال الأسبوع المقبل، بالإضافة إلى استمرار الاتصالات غير المعلنة مع الأطراف المعنية، في محاولة لتحويل الهدنة المؤقتة إلى أساس لاتفاق أوسع وأشمل.

رهان استراتيجي

ترى الإدارة الأمريكية أن إعلان وقف إطلاق النار في غزة يمكن أن يشكل مدخلاً لإعادة إطلاق مشروع "اتفاقات السلام" مع دول عربية جديدة على غرار ما تحقق في الولاية الأولى لترامب، عندما نجح في توقيع اتفاقيات تطبيع مع عدد من الدول الخليجية. 

وتعتقد الإدارة أن حالة الإنهاك التي تمر بها إيران قد تستغل كفرصة لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي بشكل يخدم أمن إسرائيل واستقرار المنطقة.

وشددت المصادر المقربة من ترامب على أن هذا المسار لم يكن يومًا غائبًا عن ذهن الرئيس الأمريكي، وأن إدارته وضعت بالفعل مجموعة من الخطط التي تستهدف المرحلة التالية لوقف إطلاق النار، بما في ذلك إطلاق مساعي دبلوماسية ترتبط بمستقبل سوريا ولبنان، والعمل على إدماج دول جديدة في منظومة الاتفاقات الإقليمية التي ترعاها واشنطن.

إرم نيوز