كثّفت الحكومة الإسرائيلية من وتيرة تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، على مدار العامين ونصف الماضيين، وذلك من خلال شق الطرق وهدم منازل الفلسطينيين بوتيرة غير مسبوقة، وهو ما أدى فعليًا إلى القضاء على أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
الأوضاع في الضفة الغربية
وعلى الرغم من أن اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الأيام الأخيرة قد سلطت الضوء على الأوضاع في الضفة، إلا أن نظرة أعمق تكشف عن تحولات جوهرية شهدتها المنطقة خلال تلك الفترة، بدأت بالإعلان عن عشرات المستوطنات الجديدة، ومرورًا بإقامة بؤر استيطانية بمعدلات قياسية، وانتهاءً بعمليات هدم منظمة للمباني الفلسطينية.
ووفقًا لما ذكرته القناة 12 الإسرائيلية، فإن كل هذه الإجراءات تصب في اتجاه واحد وواضح: ترسيخ السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأرض، ونسف فكرة حل الدولتين من جذورها،.
توسع غير مسبوق في المستوطنات
وفي هذا الإطار، أكد عضو الكنيست تسفي سوكوت، المنتمي للتيار الديني الصهيوني: "نرسم مسارات لدولة يهودية، ونعمل في كل مكان، والتحدي القادم هو فرض السيادة".
ومنذ تشكيل الحكومة الحالية مطلع عام 2023، أعلن عن ما لا يقل عن خمسين مستوطنة جديدة موزعة على أربع مراحل، لترتفع أعداد المستوطنات من 128 إلى 178، أي بزيادة نسبتها 40% خلال فترة حكومة واحدة فقط.
وبحسب بيانات مجموعة "تمرور بوليتوغرافي"، فإن 19 من هذه المستوطنات كانت قائمة مسبقًا، و7 منها عبارة عن مزارع رعوية، و14 حياً أقيم داخل مستوطنات قائمة، و10 أخرى لم تتجاوز حدود الورق بعد.
كما تتوزع هذه المستوطنات على أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، منها 17 في منطقة رام الله، و13 في الشمال، و6 في جبل الخليل، و6 في بيت لحم، و5 في غور الأردن، و3 قرب البحر الميت.
ومن جهته، أكد مائير دويتش، الرئيس التنفيذي لحركة "ريغافيم" الاستيطانية، في حديث للقناة 12: "لم تشجع أي حكومة سابقة الاستيطان بهذا الشكل. هذه أول مرة تتصرف فيها إسرائيل في الضفة بصفتها صاحبة المنزل".
طفرة في البناء وتفجر الأرقام
والجدير بالإشارة أن التجمعات الاستيطانية الحالية في الضفة شهدت طفرة عمرانية ضخمة خلال العامين ونصف الماضيين، تصاعدت بشكل أكبر منذ مطلع 2025.
ووفقًا لـ حركة "السلام الآن"، بلغ عدد الوحدات السكنية التي اجتازت إحدى مراحل التخطيط خلال عام 2025 وحده 19,389 وحدة، في حين بلغ مجموع ما تم الترويج له منذ تولي الحكومة الحالية 41,709 وحدة، وهو عدد يفوق ما تم تخطيطه خلال السنوات الست السابقة مجتمعة.
وقد سمح بهذا التوسع نتيجة تغييرات قانونية جوهرية، منها إلغاء القرار 150 في عام 2023، والذي فتح الباب واسعًا أمام التوسع العمراني في الضفة.
وعلاوة على ذلك، ارتفع عدد البؤر الاستيطانية "غير القانونية" ليبلغ 214 مع نهاية عام 2024، منها 66 أقيمت خلال فترة الحرب، بنسبة زيادة بلغت نحو 300% مقارنة بالفترة التي سبقت تشكيل الحكومة الحالية.
كما تركزت معظم هذه البؤر في شكل مزارع واسعة الامتداد، حيث بلغ إجمالي مساحات المراعي التي استولت عليها تلك المزارع حوالي 787 كيلومترًا مربعًا، أغلبها في مناطق شرق الضفة الغربية.
وصرح يوحنان تزوريف، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "ما نشهده الآن هو جهد لم يكن أحد يجرؤ على بذله من قبل، خاصة بهذه الوتيرة وفي مناطق تُعد من أكثر المناطق حساسية".
وبالتزامن مع التوسع الاستيطاني، شهدت الضفة الغربية وغور الأردن نموًا سكانيًا واضحًا، فبين عامي 2013 و2023، ارتفع عدد المستوطنين من 374 ألفًا إلى 517 ألفًا، أي بزيادة 38%، بحسب بيانات مجلس "يشع" الاستيطاني.
الوجه الآخر للاستيطان
وفي ظل ارتفاع معدلات البناء، سجّلت الحكومة الإسرائيلية أرقامًا غير مسبوقة في هدم المباني الفلسطينية خلال العامين الماضيين، فقد تم تدمير 1238 مبنى بين عامي 2023 و2024، بزيادة نسبتها 49% عن العامين السابقين، وفق "الإدارة المدنية".
وكان وزير الأمن الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، قد تفاخر بهذه "الإنجازات"، حيث قال الأخير مطلع أبريل: "منذ عام 1967 لم تشهد الضفة ثورة مماثلة".
شبكات طرق تعمّق السيطرة
ويشار إلى أن السياسة الإسرائيلية لم تتوقف عند البناء والهدم، بل شملت أيضًا تطوير البنية التحتية، فقد تم توسيع أجزاء من الطريق رقم 60، الذي يعبر الضفة من الشمال إلى الجنوب.
وفي مارس 2025، تمت الموافقة على طريق "نسيج الحياة" الذي يفترض أنه مخصص للفلسطينيين، بهدف فصلهم عن المستوطنين، وإتاحة المرور من القدس إلى مستوطنة معاليه أدوميم دون التقاء السكان الأصليين.
كما تم الموافقة على إنشاء طريق قلنديا الالتفافي (45)، لربط الطريق 60 بطريق 433 عبر دوار مخماس، وعلق مائير دويتش قائلاً إن هذه الطرق هي "أكسجين الاستيطان".
وفضلًا عن ذلك، جرى الاستيلاء على نحو 24,000 دونم من أراضي الأغوار لصالح مشروعات استيطانية.
دعم أميركي متصاعد وتراجع دولي
وبالرغم من أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة على الساحة الدولية سابقًا، فإنها تراجعت نسبيًا بعد أحداث 7 أكتوبر.
وفي المقابل، تعزز دعم التيار الجمهوري داخل الكونغرس الأميركي للاستيطان، وذهب السفير الأميركي مايك هاكابي إلى حد معارضة حل الدولتين، مؤيدًا السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية.
والجدير بالذكر أن مطلب حل الدولتين لا يزال شرطًا أساسيًا للتطبيع مع عدد من الدول الإسلامية، من بينها السعودية وإندونيسيا وماليزيا، التي تربط إقامة علاقات مع إسرائيل بتقدم ملموس نحو إقامة دولة فلسطينية.
وبحسب ما أفادت به يوحنان تزوريف للقناة الإسرائيلية، فإن التيار المتشدد داخل الحكومة يعمل على خلق واقع في الضفة الغربية يبدو أنه لا رجعة فيه، بهدف قطع الطريق على أي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين.