اللغة العربية، فرصةٌ لفرنسا "، لجاك لانغ

نداء يونس

صدر عن دار غاليمار كتاب "اللغة العربية، فرصةٌ لفرنسا "، لجاك لانغ، والذي سيوزع في مهرجان افينيون ويتضمن عرضا سريعا لخصوصيات اللغة العربية.

في الجانب الشعري يتطرق لانغ إلى دور نازك الملائكة ويشير إلى طاقة الاختزال في شعر الفلسطينية نداء يونس… ........ ومما ورد في الكتاب الذي كان صدر في وقت سابق عام 2021 عن دار "cherche midi" لجاك لانغ - وزير الثقافة الفرنسي الاسبق .. ما نصه: الشعر، كلمات بكامل جلالها لطالما احتل الشعر مكانة مركزية في الثقافة العربية.

حتى قبل ظهور الإسلام، في العصر الجاهلي، كان الشعر هو الفن الأسمى. لم يكن الشاعر مجرد مبدع، بل ذاكرة حيّة للقبيلة. بكلماته، يرفع أو يذل، يمجّد أو يفضح. وكان يُقاس مجد القبيلة بمكانة شاعرها، الذي يُعتبر صوتها الوطني الحقيقي. لكن بريق هذا الشعر ليس فنيًا فقط، بل ساهم في تشكيل اللغة العربية ذاتها.

فهو من حدد الإيقاعات والقواعد والمعجم. ولدى المؤمنين، هو اللغة التي اختارها الله ليُنزّل بها وحيه على النبي محمد - ولا تزال أصداؤه تتردد في قلب العالم الإسلامي. أما المؤرخ الكبير الطبري، فقد اعتبر أن اللغة العربية هي لغة الجنة. مع الإسلام، انفتح الشعر على أبعاد جديدة، خاصةً الروحية منها. فشعراء صوفيون مثل الحلاج بحثوا من خلاله عن المطلق، وأعلنوا المجهول، واستكشفوا بلغة ملتهبة العلاقة بين الإنسان والإله، بين القلب والمطلق.

وتجاوزت هذه الثروة الشعرية الحدود: ففي الأندلس، ازدهرت الثقافة العربية، واحتكت بها ثقافة الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الإيبيرية. وفي بلاد فارس والهند، ألهمت اللغة العربية أشكالًا شعرية أخرى مثل الغزل، والقصيدة، والموشحات، ناسجة روابط غير مرئية بين الحضارات. فأصبح الشعر لغة مشتركة للجمال والحب. ولا يزال الشعر حتى اليوم صوتًا حيًا، وفكرًا، وغناءً ملهمًا. أبياته، الملتزمة والغاضبة في كثير من الأحيان، تتحدث عن المنفى، والألم، والأمل. ومع الشاعر الكبير محمود درويش، أصبح الشعر فعل مقاومة كونية، ووطنًا بلا حدود: "علّ الكلمات، وقد صارت أخيرًا شفافة، تفتح لنا نوافذ الأمل، علّ الزمن يسرع معنا، ويحمل الغد في حقائبه."

وبعده، ظهرت كوكبة من الأصوات المعاصرة: الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة التي كانت أول من كتب الشعر الحر، معبّرة عن مآسيها بصوت يهز.

الفلسطينية نداء يونس - التي تحفر في إطار كتابة دقيقة ومصقولة، تمردات شعبٍ بأكمله. واللبنانية جمانة حداد التي طالبت بجسد وبلغة محرّرة. والسعودية حصة هلال التي كسرت التابوهات بجرأتها، وهي تلقي أبياتها النسوية على شاشة التلفاز، متحديةً التطرّف بشجاعة. ومن جهته، جعل إبراهيم نصر الله من الشعر حوارًا بين الذاكرة والخيال، بينما بنى عبد اللطيف اللعبي، المغربي، عملاً شعريًا غاضبًا ومضيئًا. أما أدونيس، العاشق الأبدي للغة، فيواصل إعادة ابتكار نفَس شعري ملهم: "أنا مثل شجرة، جذورها تمتد في كل الاتجاهات، وأغصانها تتفتح على كل الأبواب.

التزامي هو التزام حضاري، يقوم على التداخل الإنساني والثقافي." أما اللبناني عباس بيضون، فيراقب شروخ العالم بحزن وتأمل. الشعر، صوت المنسيين تحمل هذه الحيوية الشعرية أيضًا شخصيات ملتزمة مثل هند مِدَبّ، المخرجة والشاعرة، التي تُعطي صوتًا منذ سنوات لأولئك الذين لا صوت لهم. مشروعاتها تتحدث عن أماكن يتفجّر فيها الشعر من قلب الحاضر، حيث يصبح، كما في السودان، نداءً للاحتجاج. ومثلها الشاعر السوداني محجوب شريف، "شاعر الشعب"، الذي يُعيد إنشاد اللغة بتناغم لا يُضاهى.

البوابة 24