غزة/ البوابة 24- رشا أحمد:
في قلب غزة المحاصرة، حيث يرزح الأطفال تحت وطأة الحصار والحرب، تنهشهم كارثة صحية جديدة لا تقل فتكًا عن القنابل والصواريخ. خمسون طفلاً أصيبوا بالحمى الشوكية البكتيرية في غزة خلال أيام معدودة، مرض يهاجم الدماغ والحواس ويهدد حياة أجيال بكاملها. هذا التفشي المروع يأتي في ظل انهيار متواصل للخدمات الصحية، ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مما يجعل من الحمى الشوكية كارثة صامتة تنذر بانفجار وبائي لا يمكن السيطرة عليه إلا بتدخل فوري وعاجل من الجميع.
إصابات مؤكدة في مجمع ناصر الطبي
أعلن مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، عن تسجيل 50 إصابة مؤكدة بمرض الحمى الشوكية البكتيرية بين الأطفال، في ما وصفته إدارة المستشفى بـ"كارثة صحية حقيقية" تهدد حياة الأطفال في ظل الانهيار المتسارع للمنظومة الصحية في القطاع.
أعراض حادة وتحاليل تؤكد خطورة العدوى
قالت إدارة المجمع إن الحالات وصلت إلى قسم الطوارئ وهي تعاني من ارتفاع حاد في درجات الحرارة، تيبس في الرقبة، صداع شديد، قيء متكرر، وتغير في درجة الوعي. وأظهرت التحاليل المخبرية ارتفاعًا في عدد خلايا الدم البيضاء في السائل الشوكي، إلى جانب مؤشرات واضحة على الإصابة البكتيرية، ما يستدعي تدخلاً طبيًا عاجلًا لتفادي مضاعفات قد تكون قاتلة.
في تصريح خاص لـ"البوابة 24"، قال الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر، إن المستشفى يواجه وضعًا بالغ الخطورة، مؤكدًا أن تزايد عدد الإصابات خلال فترة قصيرة يدل على وجود بؤرة تفشٍ في مناطق النزوح، حيث يعيش الأهالي في ظروف صحية كارثية. وأكد أن المرض قد يؤدي إلى تلف دائم في الدماغ أو فقدان السمع أو حتى الوفاة، مشيرًا إلى النقص الحاد في المضادات الحيوية والمستلزمات اللازمة لعلاج هذه الحالات.
أكدت نتائج التحاليل أن الإصابات تنتمي إلى النوع البكتيري الحاد من الحمى الشوكية، وهو الأخطر والأسرع انتشارًا، ويتطلب علاجًا عاجلًا بمضادات حيوية متخصصة لا تتوفر حاليًا بكميات كافية في القطاع نتيجة الحصار المستمر.
شهادات الأهالي: الخوف يسكن القلوب
رصد فريق "البوابة 24" شهادات مؤلمة من ذوي الأطفال المصابين، حيث قالت أم الطفل يوسف، البالغ من العمر خمس سنوات: "بدأ يشكو من صداع، ثم ارتفعت حرارته، وفقد وعيه. قالوا لي إن المرض قد يؤثر على دماغه وسمعه".
أما والد الطفلة جنى فقال إنهم يعيشون داخل خيمة نازحين شرق خانيونس، في ظل غياب أبسط مقومات الحياة، وأضاف: "الماء ملوث، لا صرف صحي، لا تهوية، والذباب والبعوض في كل مكان. كيف لا يصاب أطفالنا؟".
القلق لم يعد شعورًا مؤقتًا… بل أصبح نمط حياة يسكن كل خيمة وكل أم، وكل أب ينتظر نتيجة تحاليل أو يسمع بكاء طفله وهو يئن دون دواء.
مؤشرات على اتساع رقعة الإصابات
أكدت مصادر طبية أن حالات اشتباه بدأت تظهر في مستشفيات أخرى بقطاع غزة، لا سيما في رفح والمنطقة الوسطى، وهو ما يهدد باتساع رقعة التفشي، في ظل غياب الرقابة الصحية الفعلية وضعف الاستجابة الميدانية.
حيث تفيد التقاير الطبية أن الحمى الشوكية، أو التهاب السحايا، مرض معدٍ يصيب الأغشية المحيطة بالدماغ والنخاع الشوكي. وتُعد العدوى البكتيرية أخطر أنواعها، إذ تنتقل عبر الرذاذ أو المياه الملوثة، وتنتشر بسرعة في الأماكن المزدحمة مثل مراكز الإيواء، وقد تؤدي إلى الوفاة خلال ساعات إن لم يتم علاجها فورًا.
ناشد الأطباء وزارة الصحة والمؤسسات الدولية، خاصة منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود، سرعة التدخل وتوفير المضادات الحيوية، اللقاحات، أجهزة التشخيص، ووحدات العناية المركزة، محذرين من أن أي تأخير في الاستجابة قد يؤدي إلى كارثة لا تُحمد عقباها.
الأطباء حذّروا من أن أي تأخير في الاستجابة، ولو لساعات، قد يُفضي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، حيث لا تمتلك مستشفيات غزة القدرة على التعامل مع موجات العدوى المتزايدة، في ظل القصف المستمر، وانقطاع الكهرباء، ونفاد الأدوية الأساسية.
غزة تنزف بين قصف ووباء
وسط هذا المشهد، يجد أطفال غزة أنفسهم في مواجهة مزدوجة: من جهة الحرب والقصف، ومن جهة أخرى وباء يفتك بهم في الظل. خمسون إصابة مؤكدة ليست رقمًا عابرًا، بل صرخة ألم يجب أن تهزّ ضمير العالم.
الأطفال الذين بالكاد نجوا من القصف، يسقطون اليوم فرادى تحت وطأة المرض، في مستشفيات مهددة بالإغلاق، بلا أدوية، بلا كهرباء، وبلا حتى ماء نظيف. إن استمرار التهاون في نجدة غزة ليس فقط جريمة إنسانية، بل تواطؤ صريح مع الموت الذي يحاصرها برًّا وجوًّا.
ما لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة، فإن غزة تقف على حافة نكبة صحية جديدة… وأطفالها هم الثمن. فهل سيتكرر مشهد العجز العالمي؟ أم سنشهد أخيرًا صحوة ضمير توقف هذا النزيف المزدوج؟