أوساط فلسطينية تحذر من فخ إسرائيلي لاحتجاز الفلسطينيين تحت غطاء الإغاثة

مدينة إنسانية في رفح
مدينة إنسانية في رفح

أثارت خطة إسرائيلية مقترحة لإنشاء ما يسمى بـ"المدينة الإنسانية" في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، موجة غضب وتحذيرات واسعة في الأوساط الفلسطينية، وسط مخاوف من أن تتحول هذه المبادرة، التي تروج لها إسرائيل كخطوة "إنسانية"، إلى معتقل جماعي مغلق يستهدف تجميع المدنيين الفلسطينيين وفصلهم قسرًا عن باقي القطاع، تمهيدًا لفرض وقائع ديموغرافية وعسكرية خطيرة.

تحذيرات فلسطينية

أوساط فلسطينية متعددة وصفت الخطة الإسرائيلية بأنها أخطر حلقة في مشروع التهجير القسري، معتبرين أن ما يطلق عليه "المدينة الإنسانية" ما هو إلا واجهة لخطة شاملة تهدف إلى محاصرة سكان غزة وتحويلهم إلى رهائن جماعيين تحت الرقابة الإسرائيلية.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أن إسرائيل تسعى لتحويل مدينة رفح إلى معسكر اعتقال جماعي، معتبرًا أن وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس يروج لخطة تطهير عرقي واضحة، تقوم على حشر مئات آلاف الفلسطينيين في مساحة محدودة بين محوري موراج وفيلادلفيا، بهدف دفعهم لاحقًا إلى الهجرة خارج القطاع.

المدينة الإنسانية ومفاوضات التهدئة

بحسب ما أفادت به هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، فإن فكرة "المدينة الإنسانية" أصبحت عقبة رئيسية في مفاوضات الدوحة الجارية حاليًا بين الوسطاء، إذ أبلغت مصادر فلسطينية مشاركة في المفاوضات أن حركة حماس ترفض بشكل قاطع هذا المخطط، وتعتبره محاولة لشرعنة جريمة التهجير الجماعي.

وأضافت المصادر أن طرح الخطة في هذا التوقيت يعقد فرص التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، إذ تصر إسرائيل على ربط الخطة باتفاق التهدئة الشامل، كجزء من ترتيبات ما بعد الحرب، وهو ما ترفضه الفصائل الفلسطينية والمجتمع المدني الفلسطيني.

تكلفة المشروع

وكشفت الهيئة ذاتها أن التقديرات الأولية لتكلفة إنشاء "المدينة الإنسانية" تصل إلى 20 مليار شيكل (نحو 6 مليارات دولار أمريكي)، وهي تكلفة مرتفعة بشكل لافت، تعادل نصف ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية السنوية البالغة 40 مليار شيكل.

ويفهم من هذه الأرقام أن المشروع ليس خطة طارئة بل مشروع طويل الأمد يحمل طابعًا بنيويًا، ما يعزز الاتهامات بأن الهدف الحقيقي منه ليس الإغاثة بل إعادة هندسة المشهد السكاني والسياسي في غزة.

خطة عسكرية لإعادة فرز السكان

بحسب ما كشفه وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فإن المدينة ستقام على أنقاض مدينة رفح المدمرة، وتحديدًا بين محوري موراج وفيلادلفيا، حيث سيتم تجميع ما يقرب من 600 ألف فلسطيني، تحت رقابة أمنية صارمة، ولن يسمح لمن يدخل هذا التجمع بالمغادرة.

ووفقًا للخطة، التي يشرف عليها مدير عام وزارة الجيش أمير برعام، فإن الهدف الأساسي يتمثل في فرز المدنيين عن مقاتلي حركة حماس، حيث سيخضع السكان لتفتيش دقيق عند دخولهم، وسيفرض عليهم البقاء داخل المنطقة المعزولة دون إمكانية الحركة.

مشروع "مواصي خان يونس"

في المرحلة الأولى، تنوي إسرائيل تقليص عدد السكان الموجودين أصلاً في مناطق "مواصي" خان يونس، وتجميع من يتم نقلهم قسرًا من مناطق الحرب إلى هذه المدينة، تمهيدًا لإنشاء منطقة عازلة كبيرة تفصل بين المدنيين والمقاتلين، وهو ما يراه مراقبون أكبر سجن على وجه الأرض.

وتكمن الخطورة، وفق تقارير إعلامية، في أن هذه الخطة ليست مجرد إجراء عسكري عابر، بل مشروع سياسي أمني لإعادة صياغة قطاع غزة بعد الحرب، بما يشبه مناطق الفصل العنصري، على غرار ما كان يحدث في جنوب أفريقيا سابقًا.

المرحلة التالية

تقوم الخطة الإسرائيلية في جوهرها على احتجاز كافة المدنيين في مساحة واحدة مغلقة جنوب القطاع، ثم الانتقال إلى ملاحقة المقاتلين في باقي أرجاء غزة، في حملة تطهير ممنهجة تُنفذ في ظل غياب الضغط الدولي الفعلي.

وبذلك، لا تترك إسرائيل خيارًا للفلسطينيين سوى الرضوخ إما لمعتقل جماعي تفرض فيه حياتهم تحت الرقابة والتجويع، أو الاستمرار في العيش وسط القصف والتدمير.

وفي الداخل الفلسطيني، تزداد التحذيرات من تمرير هذه الخطة عبر اتفاق التهدئة، حيث ترى القيادات الشعبية والمجتمعية في غزة أن هذه "المدينة" ما هي إلا غلاف تجميلي لسياسات الاحتلال التهجيرية، وأن السكوت عنها يعني القبول بتقسيم القطاع جغرافيًا وسكانيًا، وتحويل من تبقى من سكانه إلى رهائن بيد الاحتلال.

وكالات