أثار الكشف عن خطة إسرائيلية جديدة لنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين داخل قطاع غزة إلى ما يسمى بـ"منطقة آمنة خاضعة للرقابة الأمنية" حالة واسعة من الجدل القانوني والسياسي، ليس فقط على الساحة الدولية، بل داخل المؤسسات الإسرائيلية نفسها، خاصة في صفوف الجيش الإسرائيلي وأوساطه القانونية، التي أبدت تحفظات جدية على شرعية هذه الخطة التي وصفتها وسائل إعلام بأنها غير مسبوقة وخطيرة من حيث الأثر القانوني والإنساني.
خطة التهجير
بحسب ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، فإن وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس طرح مؤخرًا خطة تقضي بنقل نحو 600 ألف فلسطيني، معظمهم من سكان مخيمات اللاجئين في منطقة المواصي الساحلية، إلى منطقة مغلقة تقع جنوب القطاع قرب مدينة رفح.
ووفقًا للمقترح، ستقوم القوات الإسرائيلية بتأمين محيط المنطقة الجديدة وإخضاع الداخلين إليها للفحص الأمني، مع منعهم من مغادرتها لاحقًا، في وقت سيتم فيه تسليم إدارة الشؤون الإنسانية داخل هذه المنطقة إلى جهات دولية لم يحدد إطارها بوضوح.
تحفظات قانونية داخل الجيش
وفي تطور لافت، كشفت مصادر عسكرية إسرائيلية أن القسم القانوني في الجيش الإسرائيلي عبّر عن اعتراضات وتحفظات واضحة على الخطة، محذرًا من أنها قد تعتبر انتهاكًا مباشرًا لاتفاقيات جنيف، خاصة فيما يتعلق بحظر التهجير القسري واحتجاز المدنيين إلا في ظروف طارئة واستثنائية، مثل الحفاظ على حياتهم أو ضرورات عسكرية ملحة.
وأوضح محامون عسكريون شاركوا في اجتماع مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، أن تنفيذ هذه الخطة بصيغتها الحالية يحمل مخاطر قانونية جسيمة، منها:
- اعتبار إجبار السكان على دخول المنطقة الآمنة خرقًا للقانون الدولي.
- منع السكان من مغادرة المنطقة يرقى إلى شكل من الاعتقال الجماعي غير القانوني.
- تقليص المساعدات الإنسانية للمناطق الأخرى في غزة يشكل أداة ضغط غير قانونية ضد المدنيين.
رد قيادة الجيش
ورغم تلك التحذيرات، شدد مسؤول عسكري بارز على أن الجيش الإسرائيلي سوف يتصرف بناء على توجيهات القيادة السياسية، مع السعي لمواءمة تنفيذ الخطة مع القوانين الدولية، بما يخدم ما وصفه بـ"أهداف الحرب الحالية".
لكن اللافت أن وزارتي الجيش والعدل الإسرائيليتين امتنعتا عن إصدار أي تعليق رسمي على قانونية الخطة أو مصيرها التنفيذي، ما يضفي مزيدًا من الغموض والقلق حول مستقبلها.
دعاوى قضائية وتدخل المحكمة العليا
لم يتوقف الجدل عند الدوائر القانونية داخل الجيش، بل وصل إلى أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية، بعد أن تقدم ثلاثة من جنود الاحتياط بالتماس يطالب قيادة الجيش بتوضيح صريح حول أهدافها في غزة، وهل تشمل تلك الأهداف عمليات ترحيل قسري أو نقل إجباري للسكان.
وفي معرض الرد، أكد رئيس أركان الجيش أن الجيش لا يقوم بفرض أي عمليات نقل للسكان، سواء داخل غزة أو خارجها، ما يُفهم منه محاولة رسمية للتنصل من تبعات تنفيذ الخطة بصيغتها الأصلية.
المستشار القانوني السابق
بدوره، عبر إيران شمير بورير، المستشار القانوني العسكري السابق، عن تشككه العميق في إمكانية تنفيذ الخطة، معتبرًا أنها تطرح تحديات قانونية خطيرة يصعب تجاوزها، خصوصًا إذا كانت تستهدف فصل السكان بطريقة قسرية أو تحديد حركتهم بشكل دائم.
من الناحية السياسية والعسكرية، تدافع الحكومة الإسرائيلية عن الخطة باعتبارها وسيلة لفصل المدنيين عن مقاتلي حركة "حماس" وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بشكل يمنع من خلاله استخدام تلك المواد من قبل الفصائل المسلحة، حيث تتهم إسرائيل حماس باستغلال المساعدات لتعزيز بنيتها العسكرية، وهو ما تنفيه الحركة بشكل قاطع.
وبحسب محللين عسكريين، فإن الهدف غير المعلن للخطة يتمثل في توفير حرية حركة أكبر لقوات الجيش الإسرائيلي داخل القطاع، عبر تقليل الاحتكاك مع السكان المدنيين، خصوصًا في ظل التحديات الميدانية في مناطق الشمال والوسط التي يُعتقد أنها تضم رهائن ومواقع محصنة لحماس.