تشهد مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة حالة من الجمود والتوتر المتجدد مع تصاعد الخلافات بين الطرفين المتفاوضين، وخصوصًا في ما يتعلق بمسألة انسحاب القوات الإسرائيلية، فقد أفادت القناة العبرية "12" بأن جوهر الخلاف يتمحور حاليًا حول إصرار حركة "حماس" على انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي، وهو ما ترفضه تل أبيب وتتمسك بضمان وجود عسكري في نقاط محددة جنوب القطاع.
وبحسب ما نقلته القناة عن مصدر سياسي إسرائيلي مطلع، فإن تحقيق تقدم فعلي في المفاوضات لا يزال أمرًا بعيد المنال، حتى وإن تم التوصل إلى توافق مبدئي، حيث يتوقع أن تستغرق عملية توقيع الاتفاق – في حال التفاهم – ما لا يقل عن أسبوعين إضافيين.
إسرائيل تتمسك بالبقاء العسكري
أكد المصدر ذاته أن إسرائيل قد خفضت من سقف مطالبها العسكرية، إذ لم تعد تشترط بقاء قواتها على امتداد 5 كيلومترات شمال محور فيلادلفيا كما كانت تطالب سابقًا، بل تسعى الآن للإبقاء على جيشها داخل شريط حدودي ضيق بعرض 1.5 كيلومتر فقط شمال الحدود المصرية.
ورغم هذا التراجع النسبي، فإن حماس لا تزال متمسكة بانسحاب إسرائيلي كامل، معتبرة أن أي وجود عسكري دائم في القطاع يعد خرقًا لسيادة الشعب الفلسطيني وتهديدًا لسلامة المدنيين.
احتمال انسحاب الوفد الإسرائيلي
وسط هذا التوتر، تدرس إسرائيل خيار سحب وفدها التفاوضي من العاصمة القطرية الدوحة، ما لم تظهر حركة "حماس" مرونة واضحة تجاه المقترحات المطروحة بشأن إنهاء الحرب، وقال المصدر الإسرائيلي للقناة العبرية إن تل أبيب لن تنتظر طويلاً أمام ما وصفه بـ"جمود موقف حماس"، وقد تعيد تقييم مشاركتها في العملية التفاوضية برمتها.
ويُثير هذا التهديد احتمال انهيار كامل لمسار المفاوضات، خاصة في ظل غياب ضغوط متبادلة كافية لضمان تقدم ملموس في الملفات العالقة، وفي مقدمتها، آلية وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، وشروط إعادة الإعمار.
تحذير أمريكي لحماس
من جهتها، نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مصدرين مطلعين على سير المفاوضات أن الإدارة الأمريكية بدأت تتخذ موقفًا أكثر صرامة تجاه حركة حماس، حيث أبلغتها أن صبر واشنطن بدأ ينفد، وأن الوقت المتاح للرد على المقترح المعدل لوقف إطلاق النار في غزة يوشك على النفاد.
وحذر المصدران من أن الولايات المتحدة قد تسحب التزامها بضمان تفاوض إسرائيل على إنهاء الحرب خلال فترة الهدنة، إذا لم تقدم حماس ردًا إيجابيًا وسريعًا على المبادرة المطروحة حاليًا.
وتعكس هذه الرسالة تصاعد الضغط الأمريكي على الحركة الفلسطينية من أجل الإسراع باتخاذ موقف واضح، في ظل رغبة إدارة ترامب في إنهاء الحرب التي طالت أكثر مما كان متوقعًا، وتسببت في خسائر إنسانية جسيمة.
اتفاق على المحك
تأتي هذه التطورات في لحظة حرجة من مسار التفاوض، حيث يبدو أن كل طرف بات يضع شروطًا دقيقة قد تفجر التفاهمات السابقة، وتعيد العملية التفاوضية إلى نقطة الصفر، ففي الوقت الذي تصر فيه حماس على انسحاب كامل وغير مشروط للقوات الإسرائيلية، تسعى تل أبيب لتأمين حدودها الجنوبية والبقاء في مواقع استراتيجية داخل القطاع، ولو بشكل محدود.
وما بين هذين الموقفين، تجهد الأطراف الدولية في محاولة لإيجاد مساحة توافق تسمح بوقف دائم لإطلاق النار، مع ضمان مصالح الطرفين، والتمهيد لمرحلة ما بعد الحرب بما يشمل التهدئة، إعادة الإعمار، وترتيبات أمنية طويلة الأمد.