أدهم وصفا.. ابنا الحرب والصُّدفة!

صورة توضيحية
صورة توضيحية

مرح الوادية

"لم أظن أنني سأصبح أمًا، لا سيما في وقت يشبه ما نعيشه اليوم في الإبادة: قصف لا يتوقف، نزوح جماعي، وموت يمشي على قدميه ليطحن كل ما يصادفه"، تقول آلاء اللولو وتبتسم.

"مجرد أنك في غزة، هذا كافٍ لتكون وقودًا في طاحونة الحرب. كنتُ على وشك أن أفقد زوجي، بعدما أُصيب في قصف إسرائيلي، لكنه نجا، ونجوت معه بأغرب حكاية.. دعوني أسميها معجزة" تضيف.

تبدأ آلاء حكايتها "العجيبة"، وسط بحر الفقدان والمآسي. عندما كانت تخبئ لها الأقدار حكاية عظيمة، عن أمومة أتت بعد تسعة عشر عامًا من الانتظار واليأس المتكرر.

في مستشفى الشفاء، حيث كانت ترافق زوجها المصاب، أحاطت بها مشاهد الموت من كل زاوية. المكان مكتظ بالجرحى والمصابين، والجثث تصل تباعًا، فيما صوت الطائرات والقصف لا يتوقفان. وسط هذا الخراب، لفت انتباهها طفل صغير، قيل إنه الناجي الوحيد من عائلته التي أُبيدت بالكامل، وكان يبلغ من العمر سبعة أيام فقط. لم يكن له اسم، ولا أحد يسأل عنه. جسده الصغير كان مغلفًا بالدم والغبار، وثيابه متسخة، لكن رغم ذلك، جذب كل حواس آلاء، فاقتربت منه بعاطفة أم لم تنل فرصتها في الحياة.

تقول آلاء: "لقائي بالطفل هذا هوّن عليّ كل ما مررت به في الإبادة. تكفلت برعايته في المستشفى، هو وزوجي. جلبتُ له الحليب والملابس والحفاضات، كنت أبحث له عن أي شيء يخفف وحدته. تعلقتُ به، وتعلق به زوجي، وكان لا بد من الحديث إلى مدير المستشفى بشأنه".

بالفعل، بعد أن بدأ زوجها يتعافى، قررا الذهاب معًا إلى مدير المستشفى لطلب رعاية الطفل. بعد نقاشٍ طويل، حصلا على موافقة مكتوبة، تتضمن كل البيانات التي يمكن الرجوع إليها لاحقًا إذا ما ظهر له أقارب أو احتاج أحد لمتابعة وضعه.

لكن القصة لم تنتهِ هنا. بعد نحو شهر من رعايتها للطفل، اكتشفت آلاء أنها حامل في شهرها السابع دون أن تدري! الصدمة التي أصابتها كانت مضاعفة، لأن الحمل كان أشبه بالمعجزة، بعد أن فقدت الأمل تمامًا على مدار عقدين من الزواج.

تقول: "لم أكن أنتظر الحمل، ولا فكرت فيه. فقدتُ الأمل بعد 19 عامًا من المحاولات والفشل. لكنني حين رأيت وجه أدهم البشوش، شعرت أن الخير قد دخل حياتنا أخيرًا".

قرّر الزوجان أن يطلقا على الطفل اسم "أدهم"، بينما أسميا ابنتهما "صفا". أصبح الطفلان توأمين في القدر، وُلدَا في قلب الحرب، وها هما يكبران سويًا في ظل الحصار والمجاعة، وتحت سماء لا تعرف سوى هدير الطائرات.

يعلق محمد، زوج آلاء: "وجه أدهم كان جميلًا علينا، لا أستطيع الاستغناء عنه. أنجبت طفلة، وأنا أسعد إنسان لأن لدي ولدًا وبنتًا الآن. هذا حياة عيني، شيء ما جذبنا إليه من اللحظة الأولى. نحن الآن عائلته، وحين عثرنا عليه كان عمره أسبوع فقط، وقيل إن عائلته كلها استشهدت. أتمنى أن أتكفل برعايته طوال حياتي".

لكن السعادة لم تكن خالصة. فالخوف يحيط بهذه العائلة الصغيرة من كل جهة. أكثر ما يخشاه الزوجان هو أن يُصاب أحد الطفلين في القصف، أو أن يجوعا. يجتهدان لتوفير الغذاء لهما، يقتطعان من طعامهما ويحرمان نفسيهما لأجل توفير ما يكفي لهما.

تقول آلاء: "تحت الإبادة، أكثر ما يُرهق الإنسان أن يكون أمًا أو أبًا أمام احتلال لا يعرف للطفولة أو للإنسانية معنى. لكننا نخبئهما بحبّيات عيوننا".

في قلب المجاعة، حيث الحليب مفقود، والدواء نادر، يزرع الزوجان بذرة أمل باسمَي "أدهم وصفا". لا يعرفان ما الذي ينتظرهما، لكنهما يعرفان جيدًا أن قدرهما ارتبط بالموت والحياة في آنٍ معًا، وأن هذا الطفل الغريب صار ابنهما، تمامًا كما أن ابنتهما كانت المعجزة التي جاءت في الوقت الذي أوشك فيه القلب على الاستسلام.

البوابة 24