كسر الاحتكار الأمريكي وتدويل الصراع الفلسطيني: نحو وحدة الموقف الفلسطيني وتفعيل القرار الدولي في مواجهة الاحتلال بقلم: المحامي علي أبو حبلة
ضمن سلسلة التحليلات السياسية والقانونية في ظل حالة الانسداد السياسي والتصعيد العسكري المستمر في قطاع غزة، تتزايد الحاجة إلى إعادة تموضع فلسطيني جذري، يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ويكسر احتكار الرعاية الأمريكية التي تحوّلت إلى شريك مباشر في جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية. التحولات المتسارعة، خصوصاً صدور قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بتاريخ 24 أيار/مايو 2024، وما سبقه من فشل المسار التفاوضي برعاية أمريكية، تفرض على الفلسطينيين والمجتمع الدولي التعاطي مع الصراع على أساس قانوني وإنساني ووطني، لا سياسي مجتزأ. كما أن المؤتمر الدولي المقرر عقده في نيويورك أواخر هذا العام يشكل فرصة نادرة لتحويل القرارات الدولية إلى إجراءات ملزمة، شرط توفر الإرادة العربية والإسلامية والدولية. أولاً: محكمة العدل الدولية 2024… الأرض الفلسطينية تحت الاحتلال في قرارها التاريخي الصادر في 24 أيار/مايو 2024، خلصت محكمة العدل الدولية إلى أن: > "استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، ويُنتج نظام فصل عنصري (أبارتهايد) يجب إنهاؤه فوراً". كما أكدت المحكمة على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وضرورة التزام الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف بعدم تقديم دعم مادي أو سياسي للاحتلال. هذا القرار، الذي جاء بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمثل مرجعية قانونية عليا تُلزم المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات ملموسة لوقف الاحتلال، ورفع الحصار، وتوفير الحماية للسكان المدنيين في غزة والضفة والقدس. ثانياً: فشل الوساطة الأمريكية… وإعادة تعريف التفاوض مع إعلان المبعوث الأمريكي ويكتوف انسحاب واشنطن من المسار التفاوضي، وتحميله حماس مسؤولية الفشل، يتضح مجدداً أن الولايات المتحدة لم تكن وسيطاً نزيهاً يوماً، بل طرفاً داعماً للاحتلال بالسلاح والغطاء السياسي. هذا الانسحاب، رغم دلالاته السلبية، يفتح الباب لإعادة تعريف مسار التفاوض عبر: كسر الهيمنة الأمريكية على القرار الفلسطيني. تدويل القضية الفلسطينية أمام محافل الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. طرح حلول قانونية وإنسانية، لا أمنية انتقائية. ثالثاً: وحدة الأرض الفلسطينية… وحدة المصير والموقف لا يمكن التعامل مع غزة والضفة والقدس ككيانات منفصلة. فبحسب قرار محكمة العدل 2024، فإن الأرض الفلسطينية المحتلة هي وحدة قانونية وجغرافية واحدة، ويُعدّ أي تفكيك أو تعامل مجزأ معها انتهاكاً للشرعية الدولية. لذلك، فإن أي خطوة تفاوضية أو سياسية لا تنطلق من هذه الحقيقة، إنما تعمّق الانقسام، وتُضعف الموقف الفلسطيني. المطلوب اليوم إعادة بناء وحدة الموقف الفلسطيني – سياسياً ومؤسساتياً – على قاعدة التمثيل الكامل في منظمة التحرير، وإنهاء الانقسام، واستعادة الدور المركزي للقدس وقطاع غزة في المشروع الوطني. رابعاً: خطاب خليل الحية… إعلان تحوّل استراتيجي في رؤية قوى المقاومة في خطاب لافت، أعلن عضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية، عن مقاربة جديدة لحركته تجاه ملف الأسرى الإسرائيليين، معبّراً عن إرهاق حماس من الابتزاز الإسرائيلي الأمريكي عبر هذا الملف، وملوّحاً بأن حركته تفكر بجدية في خيارات متعددة وربما تقدم حماس بحسب متابعين ومحللين في وضع هؤلاء الأسرى بعهدة دول محايدة مثل فرنسا، الصين وروسيا وفي حال أقدمت على ذلك براي المحللين ستضع نتنياهو والبيت الأبيض في مأزق سياسي وقانوني لعدم مبررات استمرار الحرب أبعاد خطاب الحية براي المتابعين والمحللين 1. تحرر سياسي وأخلاقي من الابتزاز: لم تعد حماس تنظر للأسرى كأداة تفاوض فقط، بل باتت تعتبر أن إبقاءهم رهينة المسار الأمريكي المختل يُعطّل مسار المقاومة ويحاصر غزة سياسياً. 2. نزع الذريعة من يد الاحتلال: بوضع الرهائن تحت عهدة دول محايدة، تُجرد المقاومة إسرائيل من أحد ذرائع استمرار العدوان، وتحوّل الملف إلى يد المجتمع الدولي. 3. خلق توازن تفاوضي جديد: الدول المقترحة تمثل قوى كبرى لا تخضع للهيمنة الأمريكية، ويُحتمل أن تساهم في خلق مخرج سياسي للأزمة الإنسانية في غزة، دون فرض شروط استسلام على الفلسطينيين. 4. تمهيد لمبادرة سياسية – قانونية شاملة: يمكن أن تكون هذه الخطوة مدخلاً لمطالب أكبر تشمل وقف إطلاق النار بضمانة دولية، ورفع الحصار، وتوفير حماية إنسانية لسكان القطاع والضفة الغربية خطاب الحية، بذلك، يمثل إعلان تحوّل استراتيجي من التفاوض تحت الضغط إلى طرح سياسي ذي شرعية دولية، يعكس نضجاً في التفكير السياسي خامساً: المؤتمر الدولي في نيويورك… اختبار للمجتمع الدولي يتجهز المجتمع الدولي لعقد مؤتمر دولي بشأن فلسطين في نيويورك نهاية العام 2025، بدعوة من الجمعية العامة، وبمشاركة دولية واسعة. هذا المؤتمر، الذي يأتي بعد قرار محكمة العدل، يُعد اختباراً فعلياً للإرادة الدولية. المطلوب من المؤتمر: 1. وضع آلية زمنية لإنهاء الاحتلال وفق قرارات الأمم المتحدة. 2. توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس. 3. تثبيت الاعتراف بدولة فلسطين كاملة السيادة على حدود 1967. 4. فرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت بخرق القانون الدولي. 5. اعتماد قرار بإنشاء لجنة دولية دائمة لمراقبة الانتهاكات الإسرائيلية. سادساً: المطلوب عربياً وإسلامياً ودولياً عربياً: تفعيل لجنة المتابعة العربية لتكون حاضرة في المؤتمر الدولي بموقف موحد. وقف التطبيع المشروط والمجاني الذي يُضعف الموقف الفلسطيني. تقديم الدعم القانوني والسياسي لمطالب الشعب الفلسطيني أمام الأمم المتحدة والمحاكم الدولية. إسلامياً: إعادة تنشيط دور منظمة التعاون الإسلامي للدفع باتجاه تدويل ملف حماية المقدسات. تنسيق دبلوماسي مع القوى الدولية غير المنحازة (جنوب أفريقيا، البرازيل، ماليزيا، إندونيسيا). دولياً: الضغط لتفعيل قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة غير المنفّذة. دعم المجتمع المدني الدولي لجهود محكمة العدل ومحكمة الجنايات في مساءلة إسرائيل. توفير آليات مراقبة دولية لحماية المدنيين في غزة، وخاصة بعد المجازر المتكررة. القضية الفلسطينية أمام لحظة فاصلة في تاريخ النضال الفلسطيني إن قرار محكمة العدل الدولية 2024، إلى جانب فشل الرعاية الأمريكية، واندلاع حروب الإبادة في غزة، كلها عوامل تهيئ الأرضية لـ إعادة تعريف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على أسس القانون الدولي وحقوق الإنسان، وليس عبر منطق "المفاوضات العبثية" التي كرست الاحتلال. وحدة الجغرافيا الفلسطينية، ووحدة القيادة والتمثيل، وتفعيل المسار الدولي القانوني، ليست مطالب نظرية، بل شروط ضرورية للدخول في مرحلة تحرر حقيقي. وإن لم يواكب العرب والمسلمون والدول الداعمة للعدالة هذه اللحظة بموقف حاسم، فإنهم يفوّتون فرصة تاريخية لإقامة العدالة في واحدة من أطول وأبشع حالات الاحتلال في العصر الحديث. مراجع وهوامش قانونية (مختارة): 1. محكمة العدل الدولية، فتوى 2004: Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory. 2. محكمة العدل الدولية، رأي استشاري، 24 مايو 2024: Legal Status and Consequences of Israel’s Occupation since 1967. 3. قرار مجلس الأمن 242 (1967)، 338 (1973). 4. اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين (1949). 5. ميثاق الأمم المتحدة، المادة 1، الفقرة 2: حق الشعوب في تقرير مصيرها. 6. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة A/RES/77/229 (2022): حماية المدنيين الفلسطينيين.