أنهى الجيش الإسرائيلي عمليته البرية المحدودة في قطاع غزة والمعروفة باسم "عربات جدعون" دون أن تثمر عن النتائج التي أعلنها مسبقًا، وعلى رأسها استعادة الأسرى الإسرائيليين وسحق بنية حركة حماس، وباتت العملية، التي استمرت لعدة أسابيع، محل تساؤل في الأوساط السياسية والعسكرية داخل إسرائيل بعد أن خلفت خسائر وتكاليف ضخمة دون إنجاز ملموس.
تكاليف باهظة واستدعاء جديد للاحتياط
وفقًا لما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، من المقرر أن يرفع رئيس أركان جيش الاحتلال تقريرًا إلى مجلس الوزراء، يتضمن تقديرات صادمة حول كلفة أي عملية جديدة مشابهة.
وتشير التوقعات إلى أن أي تكرار للعملية قد يستغرق أكثر من أربعة أشهر، مع استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للمرة السادسة منذ بداية الحرب، مما يضغط بشدة على قدرات الجيش الإسرائيلي وعلى الجبهة الداخلية.
حملة إعلامية لتجميل الفشل
في محاولة لاحتواء تداعيات الفشل، لجأ المسؤولون الإسرائيليون إلى تسويق العملية للرأي العام المحلي باستخدام صور رمزية وطقوس استعراضية كإضاءة الشموع في محاولة لإبراز ما سمي بـ"إنجازات ميدانية" رغم محدوديتها الشديدة على أرض الواقع، وتععكس هذه الخطوة تعكس وفق مراقبين، عمق الأزمة السياسية والعسكرية في إسرائيل بعد شهور من القتال غير الحاسم.
ومع انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من بعض المناطق، بدأت إسرائيل في ترسيخ وجودها على أراضي جديدة داخل غزة وسط حالة من الغموض بين الجنود بشأن مستقبل هذه المناطق، وثمة مؤشرات على نية إسرائيل ضم بعض تلك المناطق تنفيذًا لتعهدات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لحلفائه السياسيين، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش مقابل دعمهم في الحكومة.
بيت حانون والنفوذ شمالًا
تتوقع قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الانتهاء قريبًا من عملية الفرقة 162 في بلدة بيت حانون، ما سوف يمنح الجيش سيطرة فعلية على مناطق جديدة ضمن ما تسميه إسرائيل "المنطقة العازلة" شمال القطاع، وقد يستخدم هذا التقدم لاحقًا كورقة سياسية للإعلان عن ضم تدريجي لهذه المساحات تمهيدًا لإعادة المستوطنات الإسرائيلية إليها كبديل دعائي لفشل الحسم العسكري مع حماس.
وفي الكواليس، يدور جدل بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية حول كيفية إنهاء عملية "عربات جدعون" رسميًا وصياغة بيان ختامي يتلاءم مع الواقع الميداني المعقد، وتبدأ هذه المناقشات في ظل حقيقة أن العملية انطلقت أساسًا من خرق إسرائيل لهدنة قائمة مع مطلع العام ما يزيد من صعوبة تسويق نتائجها.
تمركزات عسكرية بلا قتال فعلي
ورغم بقاء عدد كبير من الجنود الإسرائيليين داخل قطاع غزة، إلا أن مهامهم باتت تركز على تأمين الطرق والمحاور التي تسيطر عليها إسرائيل بدلًا من الانخراط في اشتباكات مع عناصر حماس، وتمتد هذه السيطرة من ممر نتساريم وحتى منتصف طريق فيلادلفيا الذي يفصل غزة عن الحدود المصرية، مع الإبقاء على الجزء الغربي من الممر مفتوحًا بموجب تفاهمات غير معلنة مع حماس منذ يناير الماضي.
وأضاف الجيش الإسرائيلي مؤخرًا نحو 20 كيلومترًا من محاور جديدة قرب خان يونس مثل موراج وماجن عوز، ما أدى إلى عزل المدينة عن رفح، كما كثف إنشاء ممرات تربط قواعده العسكرية على امتداد 65 كيلومترًا من المنطقة الحدودية، واستلزم تنفيذ هذه التحركات هدم آلاف المباني الفلسطينية بذريعة حماية الجنود وتسهيل التحرك العسكري المستقبلي.
رغم الاعتراضات السابقة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على توسيع عمليات الهدم، باتت القيادة الإسرائيلية تبرر تلك السياسات باعتبارها "ضرورة عسكرية"، ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن كل مبنى يهدم يعني إزالة تهديد محتمل سواء من قناصة أو عبوات ناسفة أو خلايا مقاومة، وهو ما يعكس إصرارًا متزايدًا على فرض واقع جديد في غزة بالقوة العسكرية بدلًا من الحلول السياسية.