سرديات تحت الحصار.. كيف شوّه الإعلام صورة غزة وكشفها الناشطون

محمد جمال صوالي مراقب للسياسات الدولية غــزة - فلسطين

الشاهد اليوم أن الزمنٍ تتحكم فيه الصورة بالوعي وتُعاد فيه صياغة الواقع عبر العناوين والنشرات، تقف غزة كواحدة من أكثر المناطق التي تتجاذبها السرديات المتضادة في الإعلام العالمي. فرغم وضوح المأساة الإنسانية، إلا أن الطريقة التي تُنقل بها القصص، والأصوات التي يُسمح لها بالظهور، تكشف الكثير عمّا يريده صُنّاع الخبر أن نراه — أو لا نراه. كثير من وسائل الإعلام الغربية تنتهج خطابًا يعكس انحيازًا ضمنيًا، حيث يُستخدم قاموس من المصطلحات يخلق توازنًا مختلقًا بين الضحية والجلاد. تُروَّج الهجمات الإسرائيلية تحت عنوان "حق الدفاع عن النفس"، بينما يُحرم الفلسطيني من حتى توصيف معاناته كما هي. ويبرز ذلك في عناوين من قبيل: "مقتل مدنيين في غزة" بدلًا من تسمية الفاعل، في إخفاء متكرر للحقيقة خلف غلاف من التعويم. المُلفت في المشهد الإعلامي هو تغييب الرواية الفلسطينية عن معظم المنصات الكبرى، حيث تندر استضافة صحفيين أو محللين فلسطينيين، مقابل وفرة في تغطية التصريحات الإسرائيلية الرسمية. لا يُمنح الفلسطيني مساحة للشرح أو التوثيق، بل يُختزل غالبًا في صورة "الضحية" — إن ذُكر أصلًا. في مواجهة هذا التحيز، برز إعلام رقمي بديل، أكثر جرأةً وأقرب إلى الأرض. مقاطع الفيديو التي خرجت من قلب غزة — دون فلاتر تحريرية — كسرت الرواية الرسمية وأسقطت الكثير من التبريرات السائدة، وأسهمت في شحذ التضامن العالمي. وانتشرت على إثرها حملات مقاطعة شملت فنانين وشركات إسرائيلية، في تعبير عن رفض شعبي واسع للانتهاكات، وامتدت أصداؤها لتصل إلى ساحات برلمانية ونقابية. ما بين تغييب متعمّد وإنصاف نادر، تبقى معركة السردية مفتوحة. الإعلام ليس مرآة صافية، بل عدسة يصنعها البشر، بأيديولوجياتهم ومصالحهم. واستعادة إنسانية غزة لا تكون فقط بكشف الدمار، بل بسرد القصة كاملة: بمن يُقاوم، ومن يُقتل، ومن يُمنع حتى من البوح.

البوابة 24