صرخة طفلةٍ أمام جثمان أمها.. "لمين تركتينا يا ماما؟"

الطفلة صفاء الأغا أثناء توديع جثامين أمها وأبيها وشقيقها الأصغر
الطفلة صفاء الأغا أثناء توديع جثامين أمها وأبيها وشقيقها الأصغر

غزة/ مرح الوادية:

في صباح جديد على الإبادة المستمرّة منذ قرابة عامين، استيقظت الطفلة صفاء الأغا على فاجعةٍ ضربَتها في مقتل، لم تكن تتخيل أن يمرّ الموت على خيمتها فينتزع منها أمها وأشقاءها! نامت على أمل أن هذا الجحيم ربما سينتهي غدًا بمعجزةٍ ما، لكنها وجدت نفسها فجأة أمام ثلاجة الموتى في مستشفى ناصر الطبي شاهدةً على الجثامين ومُعرّفًا لأصحابها.

غارة إسرائيلية استهدفت خيمتهم في مواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، لم تُبقِ على أحد من عائلتها سواها وشقيقها. أمها الشهيدة التي كادت أن تنتزع من لحمها لتطعم صغارها في المجاعة، رحلت. إخوتها الذين اعتادوا اللعب معها أمام خيمتهم المهترئة، رحلوا. الأب الذي كان يجتهد لتأمين لقمة العيش وسط الحرب، رحل.

تُصنّف منطقة "المواصي" حسب ادعاء جيش الاحتلال بأنها "آمنة"، بخلاف الواقع الذي شهد مئات المجازر بداخلها، يُقتل الناس داخل خيامهم وفي كل الطرقات، في الليل تضاء بلهيب الصواريخ وفي النهار تدفن الخيام بأصحابها، حتى ارتبط اسمها بقصص دامية وذكريات أليمة لكل من أجبر على العيش فيها.

وبالطبع ليست وحدها، فكل مناطق قطاع غزة تشهد المجازر ذاتها، إلا أنها على وجه التحديد (المواصي) باتت مرتعًا للموت بالنسبة للجيش الذي يدعي أنها "آمنة" ويطلب من الناس التوجه إليها.

1754463992-3699-11.jpg
 

الناجون من جيرانهم حملوا الطفلة وهي ترتجف بردًا وخوفًا. كانت تهمس باسم أمها، وترفع يديها للسماء كأنها تحاول الإمساك بظلها. أما شقيقها، فلم يتكلم. ظلّ صامتًا، عيناه تقولان كل شيء.

انتشلت صفاء من الحدث مذهولة، لم تكن بوعيها، غرقت في الغبار ودم أشقائها، كانت تبحث عن أمها، عن أي وجه يعرفها، عن حضن دافئ لاحتوائها، صرخت في أول لحظة وقفت فيها أمام جثمانها: "لمين تركتينا يا ماما؟".

تبكي الطفلة وتنظر إلى الجثامين، تدور حولها وتتحدث إليهم فردًا فردًا، لم يجبها أحد، كل أحاديثها كانت أسئلة لوم ألقتها عليهم، "لماذا لم تأخذوني معكم؟"، وسط أقارب انهمرت دموعهم وعجزوا عن مواساتها ولو بكلمة.

صفاء، التي لا تتجاوز العاشرة من عمرها، لم تعد طفلة كما كانت قبل ذلك اليوم. فقدت أمها، وإخوتها، وخيمة -رغم بؤسها- كانت تحتويهم جميعًا.

عدد الشهداء في قطاع غزة تجاوز 60 ألفًا، حسبما أعلنت وزارة الصحة بغزة في يوليو/ تموز 2025م، بينهم حوالي 18,500 طفل.

نوى