دستور مؤقت.. وتمثيل مؤجل.. من يكتب فلسطين في زمن الغياب

بقلم: محمد جمال صوالي مراقب للسياسات الدولية غزة – فلسطين

تشكيل لجنة لصياغة دستور مؤقت يمثل لحظة سياسية فارقة في التاريخ الفلسطيني، ويأتي في سياق مشحون بالتحديات البنيوية والانقسامات الداخلية. هذه الخطوة، التي تحمل في ظاهرها طموحًا نحو بناء الدولة، تثير في جوهرها أسئلة جوهرية حول النوايا، والتمثيل، والشرعية، والقدرة على إنتاج نص جامع يعكس الإرادة الوطنية لا إرادة السلطة. المرسوم الرئاسي الذي أعلن تشكيل اللجنة جاء في ظل غياب المجلس التشريعي، واستمرار الانقسام السياسي والجغرافي، وتآكل الثقة الشعبية في المؤسسات الرسمية. لذلك، لا يمكن فصل هذه الخطوة عن السياق العام الذي يعيشه الفلسطينيون، ولا عن الحاجة الملحة لإعادة تعريف العلاقة بين السلطة والشعب، وبين القانون والواقع. البعض يرى فيها لحظة تأسيسية، بينما يراها آخرون محاولة لإعادة إنتاج السلطة بشكل دستوري. الدستور المؤقت في الحالة الفلسطينية ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو مشروع سياسي بامتياز. غياب السيادة الكاملة واستمرار الاحتلال يجعلان من أي نص دستوري مؤقت مشروعًا نظريًا أكثر منه عمليًا. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى مرجعية قانونية جامعة تزداد إلحاحًا، خاصة في ظل تضارب الصلاحيات وتعدد المرجعيات القانونية. لكن هذه الضرورة لا تعني غياب المناورة، ولا تعفي من السؤال حول التوقيت والهدف والآلية. اللجنة التي تم تشكيلها تضم شخصيات سياسية وأكاديمية وقانونية بارزة، برئاسة د. محمد الحاج قاسم ورغم ثقل الأسماء، يلاحظ غياب التمثيل المباشر لفصائل المقاومة، وللقوى الشبابية والمجتمعية، ولأصوات من قطاع غزة، ما يفتح بابًا للنقد حول التوازن الجغرافي والسياسي. كما أن وجود شخصيات تنفيذية في اللجنة يثير تساؤلات حول الفصل بين السلطات، ومدى استقلالية اللجنة عن السلطة التنفيذية، وهو ما قد ينعكس على مضمون النص الدستوري ويؤدي إلى إنتاج وثيقة تعكس رؤية السلطة أكثر مما تعكس إرادة الشعب. التحديات التي تواجه اللجنة لا تقتصر على الصياغة القانونية، بل تمتد إلى الشرعية السياسية، والقبول الشعبي، والقدرة على إنتاج نص جامع يعكس تطلعات الفلسطينيين في الداخل والشتات. غياب التشاركية، وانعدام الشفافية، وتهميش القوى الحية، قد يحول دون تحقيق الهدف المعلن. كما أن غموض العلاقة بين الدستور المؤقت والقوانين الأساسية الحالية يضيف تعقيدًا قانونيًا يستدعي نقاشًا وطنيًا واسعًا. قراءة أولية في التشكيل تكشف عن طغيان الطابع الرسمي على الطابع الشعبي، وعن غلبة التكنوقراط على ممثلي الحركات الاجتماعية. هذا التوازن المختل قد ينعكس على مضمون النص، ويضعف فرص التوافق الوطني حوله، ما لم تُفتح أبواب اللجنة أمام مشاركة حقيقية من خارج الدائرة الرسمية. نجاح اللجنة لا يُقاس بعدد الأسماء، بل بقدرتها على الإنصات والانفتاح والتفاعل مع المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته. وجرى التعامل مع الدستور المؤقت كخط تأسيسي نحو بناء دولة القانون، لا كأداة لتكريس السلطة القائمة، فإن هذه اللحظة قد تتحول من فرصة ضائعة إلى نقطة انطلاق جديدة نحو مشروع وطني جامع، يعيد الاعتبار لفكرة الدولة، ويمنح الفلسطينيين أفقًا سياسيًا يستحقونه.

البوابة 24