بقلم: المحامي علي ابوحبله
لا تزال مدينة طولكرم تعيش حالة من الركود الاقتصادي والتجاري بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على الحصار والإغلاق والتضييق، وهو ما انعكس على الأوضاع الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لأهالي المدينة. وفي مواجهة هذا الواقع، بادرت محافظة طولكرم وبلدية طولكرم والغرفة التجارية الصناعية الزراعية، بالتعاون مع مؤسسات أهلية واجتماعية، إلى إطلاق حملات تهدف إلى تشجيع أهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 على زيارة المدينة والتسوق فيها. وقد شكّلت هذه المبادرات محاولة حقيقية لدعم صمود التجار والمواطنين وتعزيز الحركة التجارية. إلا أن هذه الجهود، على أهميتها، لا يمكن فصلها عن الواقع الأمني والسياسي المعقد. فالمشهد في طولكرم ليس مجرد ركود اقتصادي، بل هو نتيجة مباشرة لسياسة ممنهجة من قبل سلطات الاحتلال، حيث تتواصل عمليات الاقتحام وهدم المنازل والبنية التحتية في مخيمي طولكرم ونور شمس، ويترافق ذلك مع الإصرار على التواجد العسكري الإسرائيلي المكثف، الذي يُجسّد عبر إغلاق شارع طولكرم–نابلس الرئيسي وفرض طرق بديلة، في محاولة واضحة لفرض واقع جديد يكرّس السيطرة الإسرائيلية على الأرض ويُعيد هندسة الجغرافيا الفلسطينية بما يخدم المشروع الاستيطاني. وقد عكست تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير خلال زيارته الأخيرة للمدينة (يوم الجمعة) هذا التوجه بشكل صريح، إذ جاءت تصريحاته لتؤكد أن الاحتلال يتحرك وفق مخطط استراتيجي مدروس يستهدف إبقاء طولكرم ومخيماتها تحت السيطرة المباشرة، في إطار سياسة "العصا والجزرة" التي تدمج بين التضييق الأمني والتسهيلات الاقتصادية الجزئية. البعد القانوني والسياسي إن هذه السياسات الإسرائيلية تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقاب الجماعي وتدمير الممتلكات في الأراضي المحتلة. كما أن استمرار الاحتلال في السيطرة على طولكرم ومخيماتها، وفرض قيود على حركة السكان، يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 242 (1967) وقرار 2334 (2016)، اللذين يؤكدان عدم شرعية الاستيطان ووجوب إنهاء الاحتلال. البعد الاقتصادي والاجتماعي رغم مساهمة المحافظة والبلدية والغرفة التجارية والمؤسسات الأهلية في إطلاق مبادرات لإنعاش الاقتصاد المحلي، فإن هذه الجهود تصطدم بحقائق ميدانية قاسية: تدمير البنية التحتية بفعل الاقتحامات المتكررة في مخيمي طولكرم ونور شمس. إغلاق الشوارع الحيوية مثل طريق طولكرم–نابلس، ما يعطل الحركة التجارية ويزيد من كلفة النقل والوقت. ارتفاع نسب البطالة والفقر نتيجة غياب الاستقرار واستمرار الحصار. تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة على السكان، وخاصة في المخيمات التي تعاني من استهداف ممنهج. كل ذلك يجعل أي انفراج اقتصادي عبر زيارات موسمية أو حملات تسوق قصير الأمد، ولا يمكن أن يشكل بديلًا عن الحل الجذري المتمثل في رفع الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من إدارة مواردهم بحرية. الحذر من الإفراط في التفاؤل إن الدعاية التي رافقت الحملة الاقتصادية الأخيرة يجب أن تُقرأ في إطارها الصحيح. فالاحتلال يستخدم مثل هذه الانفراجات المحدودة كأداة لإدارة الصراع وتخفيف الضغوط الدولية، وليس كخطوة نحو إنهائه. ومن هنا تأتي ضرورة التنسيق بين المحافظة والبلدية والغرفة التجارية والمؤسسات الأهلية لتوظيف هذه المبادرات في خدمة تعزيز الصمود الوطني، لا الانجرار وراء أوهام قد تُفسَّر كقبول ضمني بالاحتلال. الخلاصة الانفراج الحقيقي لطولكرم ومخيماتها ولسائر المدن الفلسطينية لن يتحقق عبر التسهيلات الشكلية أو الحملات الموسمية، بل عبر: 1. إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وانسحابه الكامل من طولكرم ومخيماتها وسائر الضفة الغربية وقطاع غزة. 2. تأمين بيئة مستقرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بعيدًا عن الإغلاق والهدم والاقتحامات. 3. تفعيل عملية سلام عادلة تستند إلى الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وبذلك فقط يمكن لطولكرم، بما فيها مخيم طولكرم ونور شمس، أن تنهض من جديد، ويُبنى اقتصادها على أسس تنموية صلبة، ويستعيد أهلها حقهم في الحياة الكريمة والحرية.