طولكرم بين واقع اقتصادي مأزوم وتداعيات اجتماعية مقلقة… قراءة في الدلالات والتوقعات
اعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله
تشهد محافظة طولكرم خلال الأشهر الأخيرة حالة اقتصادية شديدة التعقيد، تتقاطع فيها مؤشرات الركود وتراجع الحركة التجارية والضغط المعيشي مع مخاوف حقيقية من اتساع دائرة الانعكاسات الاجتماعية. ويؤكد مراقبون وخبراء اقتصاديون أن الوضع الراهن تجاوز حدود الأزمة العابرة، ليقترب من حالة الاختناق الاقتصادي التي تتطلب معالجة وطنية متكاملة قبل أن تنعكس بشكل أكبر على الاستقرار الاجتماعي. ركود اقتصادي متصاعد… وتراجع القدرة الشرائية تشير القراءة الأولية للمعطيات المتاحة إلى أن الأسواق في طولكرم تشهد واحدة من أدنى مستويات الحركة التجارية خلال السنوات الأخيرة. وتعود الأسباب إلى جملة عوامل أبرزها: تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب انخفاض الدخل وارتفاع النفقات الأساسية. تعثر الكثير من القطاعات الصغيرة والمتوسطة نتيجة الضغوط المالية المتراكمة. الارتفاع المستمر في تكاليف التشغيل، وخاصة ارتفاع الإيجارات وتكاليف التشغيل الكهرباء والمواد الأولية. الإغلاقات والقيود التي أثّرت على وصول البضائع وسلاسل التوريد. هذه العوامل مجتمعة دفعت العديد من أصحاب الأعمال إلى تقليص حجم نشاطهم، عبر تخفيض ساعات العمل، واعتماد نظام "الورديات" لتخفيف الكلفة، وتقليص عدد الموظفين، ما ساهم بدوره في ارتفاع معدلات البطالة في المحافظة. مؤشرات إنذار مبكر… ضغوط مالية وديون متراكمة تُظهر المصادر الاقتصادية أن عددًا ملحوظًا من المنشآت التجارية والصناعية في طولكرم بات يعاني من تراكم الديون للبنوك وشركات التوريد، في ظل ضعف القدرة على السداد. وتشير التقديرات إلى أن شريحة واسعة من أصحاب المصالح باتت تواجه خطر التوقف النهائي في حال استمرار الظروف الحالية دون تدخل. ويصف خبراء اقتصاديون هذه المرحلة بأنها مرحلة استنزاف حقيقي لقطاع الأعمال، خاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد العمود الفقري لاقتصاد المحافظة. انعكاسات اجتماعية… واتساع دائرة القلق الشعبي يترافق الضغط الاقتصادي مع تنامٍ واضح في المؤشرات الاجتماعية المقلقة، حيث يبرز: ارتفاع البطالة بين الشباب، نتيجة تقليص العمالة في المحلات والمنشآت وهناك هجرة ملحوظه بين الشباب للخارج ازدياد الطلب على المساعدات الاجتماعية. نمو حالة التوتر والقلق بين العائلات نتيجة عدم استقرار الدخل وعدم القدرة على الايفاء بالالتزامات ومتطلبات الحياة اليومية ويرى مختصون أن استمرار هذا المسار قد يقود إلى تآكل منظومة الأمان الاجتماعي، واتساع فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات الاقتصادية والرسمية، ما يستدعي معالجة عاجلة ومتوازنة. القطاع الزراعي… معاناة صامتة رغم أن طولكرم تُعد من أهم المحافظات الزراعية، إلا أن المزارعين اليوم يواجهون تحديات حادة، أبرزها: الارتفاع الكبير في أسعار الأسمدة والبذور ومدخلات الإنتاج. صعوبة التسويق الداخلي والخارجي.وانعدام وجود جمعيات تعاونية تعني بتسويق المنتجات الزراعية وغالبية الجمعيات ليس إلا عدد تراجع القدرة على تشغيل العمالة الزراعية. هذه الضغوط تهدد أحد أكثر القطاعات قدرةً على الصمود، وهو ما يستدعي دعمًا حكوميًا ومؤسسيًا مباشرًا لمنع تراجع الإنتاج المحلي. توصيات ورؤية وطنية للمرحلة المقبلة يرى خبراء الاقتصاد والتنمية أن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب خطة إنقاذ متدرجة ترتكز على المحاور التالية: 1. تخفيف الأعباء عن التجار وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر مراجعة الرسوم والضرائب.وغير ذلك 2. إتاحة برامج تمويل خاصة بفوائد منخفضة، تستهدف المشاريع المتضررة. 3. تنشيط السوق المحلية بحملات دعم للمنتج الوطني وتوسيع قنوات التسويق. 4. تعزيز دور الغرف التجارية والبلديات في التخطيط السريع والاستجابة للأزمات. 5. حماية القطاع الزراعي ودعم مدخلات الإنتاج وتقليل تكاليفها. 6. إطلاق برامج تشغيلية للشباب للحد من تفاقم البطالة. 7. إعداد قاعدة بيانات اقتصادية دقيقة لدعم اتخاذ القرار وصوغ حلول واقعية. خاتمة ما تعيشه طولكرم اليوم ليس مجرد أزمة ظرفية، بل مفترق طرق اقتصادي واجتماعي يفرض على الجهات الرسمية والأهلية والنقابية التحرك ضمن رؤية وطنية شاملة تحمي المجتمع وتحصّن اقتصاده. فالصمود في هذه المرحلة يتطلب سياسة مدروسة، وتعاونًا مجتمعيًا، واستجابة واعية توازن بين متطلبات السوق وكرامة المواطن.
