العطَشُ يُغرق الخيام والماء يروي مزَارع "المواصي".. من المسؤول؟

صورة توضيحية
صورة توضيحية

غزة/ البوابة 24 – دعاء شاهين:

مع بزوغ شمس الصباح الحارقة فوق خيام المواصي بخانيونس، جنوبي قطاع غزة، تفتح نوال عينيها على صرخات أطفالها الثلاثة، يتقلبون عطشًا وحرًا. تمد يدها إلى زجاجة ماء بجوار الفراش، فلا تجد فيها سوى بضع قطرات تقسمها بينهم بحذر: رشفة صغيرة تبلل بالكاد تبلل شفاههم اليابسة، ثم يعود الصمت الممزوج بالأنين.

في مواجهة تلك الخيام التي يعلو ضجيج سكانها العطشى، تمتد الخضرة في المزارع القريبة: خيار وبندورة وفلفل تُسقى بأنابيب ممتلئة. المفارقة التي تعجز نوال وسواها عن استيعابها: الماء الذي يحتاجونه للشرب والاستحمام والطهي، يفيض نحو المحاصيل بينما يختفي من خيام النازحين.
تقول نوال زعرب، النازحة من رفح: "أقف ساعات أمام نقاط المياه، أعود بجالون وأحيانًا فارغة اليدين، بينما أرى الخطوط تمتد لتسقي أراضي المزارعين. نغسل أوانينا بمياه البحر، وأطفالي أصيبوا بأمراض جلدية من قلة الاستحمام".

ترفع صوتها متهمة البلدية بالتقصير: "نضطر لقطع مسافات طويلة لتعبئة جالونات المياه، معرضين للقصف، وندفع عشرة شواكل للجالون الواحد. إن لم نشتره نموت عطشًا".

النازحون يتحدثون عن عائلات "متنفذة" تستحوذ على الخطوط الرئيسة التابعة للبلدية لتغذية مزارعها، بينما عشرات الآلاف من العائلات تقف في طوابير من أجل جالون واحد.

في مخيمٍ آخر، يستيقظ يوسف عبد القادر (44 عامًا) من جباليا مع أول الفجر. يعدّ جالونه البلاستيكي الأصفر ويرافق الطوابير الطويلة أمام نقطة المياه الوحيدة. "أطفالي أول ما يستيقظون يصرخون: بابا عطشان. أحيانًا لا أملك لهم سوى رشفة صغيرة من زجاجة احتفظت بها طوال الليل".

ويواصل: "رحلتي اليومية مع الجالون بائسة. نقف ساعات تحت الشمس، وأعود أحيانًا بنصف جالون بالكاد يكفي للشرب، وأحيانًا فارغ اليدين. حينها أواجه دموع أطفالي وخيبة أملهم".

يوسف يروي بصوت منكسر: "ابنتي الصغيرة تبكي لأنها تريد أن تستحم مثل باقي الأطفال، لكن الماء شحيح. زوجتي تقسم حصتها بين الطهي وغسل الصحون وتنظيف الصغار، بينما تبقى هي بلا جرعة كافية. ما يؤلمني أنني أرى المياه تتدفق في أنابيب نحو الأراضي الزراعية القريبة، بينما أطفالي ينامون عطشى".

على الناحية الأخرى، يخرج صوت المزارعين مدافعًا. صخر الأسطل، صاحب خمسين دونمًا في المواصي، يفنّد الاتهامات: "ليس صحيحًا أننا نأخذ مياه البلدية. هي أصلًا لا تكفي السكان، فكيف للمزارعين؟ نعتمد على المولدات أو الألواح الشمسية لاستخراج المياه الجوفية. نصف المخيمات تستفيد من المياه التي نضخها من أراضينا".

يشرح صخر حجم التحديات: "ندفع 700 شيكل يوميًا لتشغيل المولدات. المبيدات والأسمدة تضاعفت أسعارها. الكهرباء مقطوعة، ومع ذلك نحن باقون. هذه الأرض تشغّل من 10 إلى 15 عاملًا، تكلفنا 4000 شيكل أسبوعيًا، أي أكثر من 50 ألف شيكل شهريًا، وهذا ما يرفع أسعار الخضار"، مشددًا على أن "المزارع لا يترك أرضه مهما اشتدت الظروف، فهي ثمرة العمر".

وسط هذا التناقض، تبقى البلديات في مواجهة أزمة مركبة. الحرب دمّرت آبارًا وخطوط ضخ وشبكات مياه، والكهرباء غائبة والوقود نادر. ومع كل ذلك، يتساءل النازحون: هل قصّرت البلدية في حماية حقهم في الماء أم فقدت السيطرة أمام نفوذ العائلات؟

البلدية تجيب عبر متحدثها صائب لقان، الذي نَفَي الاتهامات: "البلدية لا تمد المزارعين بمياهها، هذا مستحيل. أولويتنا النازحون، ونوفر لهم نقاطًا ثابتة للتعبئة مجانًا. شغّلنا آبارًا، ربطنا الغواطس، وضخّينا مليون لتر خلال أشهر قليلة".

ويعترف باحتمال وجود "تجاوزات فردية"، لكن يؤكد أن الاحتلال دمّر أكثر من 40 بئرًا من أصل 44، وأتلف 350 ألف متر من الشبكات، وخزانات رئيسة بسعة 20 ألف متر مكعب، إضافة إلى منع إدخال قطع الغيار. النتيجة: تراجع حصة الفرد من 20 لترًا يوميًا إلى 4 لترات فقط.

هكذا يبقى المشهد في المواصي: أطفال عطشى، مزارع متشبث بأرضه يزرعها ويسقيها بمبالغ فلكية، وبلدية ترفع المسؤولية عن كتفيها. وفي المنتصف سؤال لا يزال معلقًا: من يحمي حق الإنسان الأول في الحياة.. الماء؟

البوابة 24