غزة/ البوابة 24- أحلام عبد القادر
أن تكوني امرأة نازحة في خيمة فتلك مأساة، وأن تكوني أم لأطفال في خيمة بالية تتلاعب بها الرياح وأمطار الشتاء فتلك مصيبة حقيقية، تقول هنادي، وهي أم لثلاثة بنات وولد وحيد، وتقيم بهم مع زوجها في خيمة متهالكة غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
"ما أثر الشتاء على النساء؟، سألناها، وبابتسامة لا تحمل سعادة بالواقع الذي تعيشه هنادي (44 عاما)، تقول للبوابة 24: السؤال يجب أن يكون: "هل بقي شيئا سليما في المرأة سواء نفسيا أو جسديا بعد عامين من حياة الخوف والنزوح؟".
وتجول ببصرها في الخيمة التي لازمتها على مدار عامي الحرب الإسرائيلية تتنقل بها من مكان إلى آخر، منذ أن أجبرت على ترك منزلها في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، وتضيف: "هذه الخيمة لا تقي حر الصيف ولا برد وأمطار الشتاء، ووجدنا أنفسنا نسبح في المياه التي تدفقت إليها في المنخفض الأخير قبل نحو أسبوع".
خيام في مهب الريح والأمطار
"كل شي فينا لم يعد كما كان قبل اندلاع الحرب وتجارب النزوح القاسية، وقد مر علينا فصول من الصيف والشتاء، جلودنا وشعورنا تغيرت وتبدلت، والبشرة ناشفة والشعر يتساقط، وأطفالنا ما أن يبرأوون من مرض حتى يصيبهم مرض آخر، بسبب تغير الطقس"، تقول هنادي ومن حولها بناتها الأربعة، فيما كان ابنها الوحيد عمر في "مهمة صعبة" خارج الخيمة يبحث لأسرته عن وجبة طعام من تكية مجاورة.
في هذه الخيمة دهمت آلام الدورة الشهرية –لأول مرة- ابنة هنادي، حلا (16 عاما)، وعن تلك اللحظة تتحدث الأم بأسى شديد، وتقول إن البنت عندما تصل سن البلوغ تحتاج إلى اهتمام مضاعف ورعاية خاصة، فكيف أوفر لها هذا الاهتمام وهذه الرعاية، تتساءل.
لدى هنادي أربعة بنات، حلا (21 عاما)، سندس (18 عاما)، حلا (16 عاما)، وجنى (8 أعوام)، وعن تجربة حلا مع الدورة الشهرية، تصف أنها "كانت صعبة جدا"، وبسببها اضطرت إلى إقامة حمام ودورة مياه خاصة، كي لا تضطر إلى الوقوف في طوابير طويلة على دورات المياه العامة في مخيم النزوح.
في هذه الحمامات العامة لا تتوفر الخصوصية من حيث الأمان والوقت الذي تحتاجه الفتاة، وحتى من الناحية النفسية، فالفتاة التي تأتيها الدورة الشهرية للمرة الأولى تكون منهكة ومتعبة من أوجاع البطن والظهر، وتحتاج أن تأخذ كامل وقتها وراحتها في الحمام، وهذا لا يتوفر في حمامات مخيمات النزوح، تقول.
وتعاني هنادي مع بناتها في هذه الفترة من عدم توفر الغذاء المناسب لهن في الأسواق، حيث كثير من الأصناف غير متوفرة، خاصة البروتين من دجاج ولحوم وبيض وأجبان، والاسعار مرتفعة للغاية، وتقول إن إحدى بناتها تحتاج إلى مسكنات من آلام الدورة الشهرية عندما تأتيها في فصل الشتاء، نتيجة البرد الشديد، وخلال الحرب عانت كثيرا في توفير المسكنات والفيتامينات.
ورغم الألم الذي تعتصر قلب هنادي وهي تتحدث عن تجربتها مع بناتها داخل خيمة النزوح، تقول إنها ليست الأسوأ حالا، فهناك مآسي أشد قسوة، لنساء أخريات.
وتشير هنادي إلى أن المرأة هي الضحية الأكبر للحرب وتداعياتها، ومعها الأطفال، كفئة هشة، تحملت العبء الأكبر، وتحملت مسؤوليات لم تعتد عليها، نفسيا وجسديا، خاصة لو كانت أم معيلة لأطفال، تمثل بالنسبة لهم مصدر الأمان المفقود، ومطالبة بالوقت نفسه بتوفير الاحتياجات اليومية من العدم.
وتتحدث هنادي عن تجارب أشد قسوة لبنات أثرت عليهن ظروف الحياة البائسة في الخيام، وقطعتها الدورة الشهرية، أو باتت تتأخر كثيرا ولا تأتيهن إلا مرة واحد كل ثلاثة شهور، وأخريات تأتيهن مرتين خلال الشهر الواحد، وأحيانا تكون مصحوبة بنزيف.
إحدى بنات هنادي أخبرتها أن الدورة الشهرية استمرت معها لتسعة أيام متواصلة، وتقول هذه الأم إن زوجها طبيب ويفسر هذا الأمر بأنها يرجع للحياة البائسة في الخيمة، حيث البرد شديد، والعبء ثقيل على الفتيات والنساء في تحمل مسؤولية تعبئة المياه، وإعداد ما يتوفر من طعام على النار.
تشعر هنادي بالقلق على نفسها وبناتها من الشكوى المستمرة من آلام مستجدة، لم يعانين منها قبل الحرب، تتركز في ظهورهن وأقدامهن، مع صداع شبه دائم، وتقول إن تعرف الكثير من نازحي الخيام، خاصة النساء والفتيات بتن يعانين من آلام الجيوب الأنفية.
معاناة هنادي وغيرها من النساء في الخيام مع توفر الكثير من الأدوية في المراكز الصحية، وحتى الأكامول تقول "بتطلع أوراحنا للحصول عليه"، وتضيف: "بات صرفه بالحبة الواحدة"، وأتساءل "ماذا سيعالج تروفين 400 الذي يصرفه الأطباء في كل المراكز لكل المرضى، هل يعالج الضغط والقلب والسكر أو الصداع؟، وعندما تسألي الطبيب يقول: "هذا اللي عندي".
تصف هنادي نفسها بأنها "امرأة شتوية" كانت عاشقة لفصل الشتاء أكثر من باقي فصول السنة، ولها الكثير من الذكريات الجميلة في هذا الفصل، التي تختزنها ذاكرتها من الطفولة وحتى بعد الزواج، ولكنها اليوم تشعر بالقلق الشديد منه، ولا تتمنى هطول الأمطار، وقد فقدت طقوسه ودفء المنزل.
منفصلة وبناتها في خيمة
وفي فصل الشتاء تزداد معاناة رؤى (47 عاما) وهي امرأة منفصلة عن زوجها وأم نازحة مع بناتها الأربعة في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع.
تقول للبوابة 24 "نحن كنساء نعاني جداً بسبب شدة البرودة والأمطار"، وتشير بيدها إلى الخيمة التي تقيم بها والتي صنعتها بنفسها من قطع قماش بالية، وتتساءل: "هل هذه عيشة؟، وكيف تتوفر لنا كنساء الخصوصية والأمان؟".
الكثير من الثقوب في خيمة رؤي، التي تعيل 4 بنات وولدين، وليس لديهم إلا القليل من الفراش المهترئ، تنعث منه برودة ورطوبة، تضاعف من آلام هذه الأسرة البسيطة، التي تفتقد أدنى مقومات الحياة، خاصة الأغطية والملابس الشتوية، التي تتوفر في الأسواق بكميات ضئيلة وبأسعار تفوق قدرة هذه الأم، ولا تملك مصدرا للدخل والمعيشة، وتعتمد على التكايا والمساعدات الخيرية.
هذه الحياة القاسية أصابت رؤى بآلام أسفل ظهرها وقدميها، فيما تزداد خشيتها على بناتها اللواتي تركن الدراسة ويساعدنها على تدبر شؤون الحياة اليومية، ويقمن بأعمال شاقة لم يعتدنها من قبل.
تضطر بنات رؤى إلى ملاحقة صهاريج المياه للحصول على مياه الشرب، والوقوف لوقت طويل في طوابير مزدحمة أمام التكايا الخيرية للحصول على وجبة طعام.
ولفترة الدورة الشهرية آلامها الخاصة بالنسبة لرؤى، التي تقف عاجزة أمام آلام بناتها، ولا تمتلك لهن وسيلة للتخفيف عنهن، وتقول حتى "الفوط الصحية" لا تتوفر بسهولة، فما بالك بالطعام الصحي، والكثير من احتياجات النساء والفتيات، وتضيف: "المرأة والطفل دفعا الثمن الباهظ لهذه الحرب ولهذه الحياة الصعبة (..) الأمراض تنهش أجسادنا، ولا نجد حتى الدواء أو الغذاء".
لا تطلب رؤى الكثير، وحلمها خيمة تقيها البرد والأمطار، بعدما تدمير منزلها في منطقة السطر الغربي بمدينة خان يونس، وتقول بوجع شديد: "حتى ملابس داخلية لا تتوفر لدينا".
الشتاء في بدايته، ومع أول موجة مطرية وجدت رؤى وبناتها أنفسهن في وضع لا يحسدن عليه، وسهرن طوال الليل يضعن دلاء بلاستيكة أسفل ثقوب تتسرب منها مياه الأمطار إلى الخيمة، وإحداهن كانت تمسك بـ "قشاطة" لدفع المياه خارجا ومنع غرق الخيمة.
الشتاء من الناحية الطبية
ومن الناحية الطبية، تقول أخصائية المرأة والطفل الدكتورة لبنى العزايزة للبوابة 24 إن فصل الشتاء هو الأصعب على النساء في الخيام، خصوصاً الأمهات، حيث يتجاوز تأثير البرد عدم الشعور الراحة، ويقتحم أجسادهن ويؤثر على صحتهن الجسدية والنفسية، وكذلك بالنسبة للأطفال أيضا.
وأبرز آثار تداعيات الشتاء على المرأة والطفل، تحددها العزايزة، بانخفاض المناعة نتيجة التعرض المستمر للبرد والرطوبة، ويجعل المرأة أكثر عرضة للالتهابات، خاصة التهابات الجهاز التنفسي، ومشكلات المفاصل والعضلات وتزيد من صعوبة الحركة والعناية بالأطفال.
كما للشتاء تأثيرا على الصحة النفسية، وتزيد حياة الخيام من الإحساس بالوحدة والضغط، والتوتر، ويضع الأم بحالة نفسية صعبة بسبب قلة الخصوصية وتراكم المسؤوليات، ويصيبها أيضا باضطرابات النوم حيث البرد الشديد بالليل يسبب الأرق، وهذا يؤثر مباشرة على صحة الأم وطاقتها خلال اليوم، وفقا للعزايزة.
وتشير كذلك إلى تأثيرات على الرضاعة الطبيعية، حيث أن الأم التي تعاني من البرد الشديد والمتعبة تكون أكتر عرضة لنقص إنتاج الحليب، إضافى إلى ما يصيب المرأة من مشكلات جلدية.
وبرأي العزايزة فإن "المرأة بالخيمة خاصة خلال فصل الشتاء تعيش تحدي يومي، وكل موجة برد هي معركة جديدة ضد المرض، الإرهاق، والحاجة للحفاظ على أطفالها بأمان".
وللدورة الشهرية، بحسب العزايزة، معاناتها الخاصة التي تزداد لدى النازحات في الخيام، وتقول: "أن تأتي المرأة الدورة وهي على أرض باردة ومبلولة في خيمة معناها أنها تعيش وجعا مضاعفا، وخطرا صحيا أعلى، وإجهادا نفسيا وجسديا".
ولهذه الحالة تداعيات صحية، وتوضح العزايزة أن أبرزها البرد والرطوبة يزيدا الألم والتشنجات، وينتج عن ذلك انقباض للأوعية الدموية، ومغص، وشدّ الظهر أقوى وأصعب.
كما أن خطر الالتهابات أعلى بكثير، وتؤدي الرطوبة وقلة النظافة المناسبة إلى التهابات بولية، والتهابات مهبلية، وفطريات، كون جسد المرأة يكون أكثر حساسية وقت الدورة الشهرية.
وتشير العزايزة أيضا إلى احتمالات النزيف والإرهاق الجسدي نتيجة سحب البرد حرارة الجسم، فالمرأة تخسر طاقة أكثر، وهذا يسبب الدوخة والهبوط والشعور بالإرهاق، بصورة مضاعفة عن الوضع الطبيعي.
ويضاف إلى كل هذه التداعيات الجسدية وضعا نفسيا أكثر صعوبة، وتقول العزايزة أن تأتي الدورة الشهرية للمرأة في بيئة غير صحية وغير مريحة مثل خيمة مبلولة، فهذا يسبب لها شعورا بعدم الأمان، والإحراج، والضغط النفسي.
نصائح
وتنصح العزايزة بإجراءات وقائية يمكن أن تتخذها النساء للتقليل من حجم أثر الشتاء على صحتهن وصحة أطفالهن، أهمها تدفئة الجسم بطرق بسيطة، والمحافظة على التغذية الجيدة، وتهوية الخيمة مرة يوميا لمنع تراكم الرطوبة والعفن، وغسل اليدين باستمرار لتقليل العدوى، وتجنب التدخين داخل الخيام لأنه يفاقم مشكلات التنفس، والعناية بصحة الجهاز التنفسي، والحفاظ على الحرارة وقت النوم، وتجنب الوقوف لفترات طويلة في البرد خصوصا للحوامل، وارتداء أحذية غير قابلة للانزلاق لمنع سقوط الحوامل، والحفاظ على نظافة الملابس الداخلية لتجنب الالتهابات الناتجة عن الرطوبة.
وبالنسبة لصحة الأطفال، تنصح العزايزة بمراقبة علامات البرد الشديد، خاصة برودة الأطراف، الرجفة، واللون الأزرق حول الفم، وإلباس الطفل طبقات خفيفة ومتعددة بدل طبقة واحدة ثقيلة، وللأطفال الرضع تحث العزايزة بزيادة الرضاعة الطبيعية لأنها أهم وسيلة تدفئة وتعزيز للمناعة.
وفي زاوية الدعم النفسي، تقول العزايزة إن الأطفال والنساء أكثر حساسية للضغط النفسي في الشتاء، وهذا يتطلب خلق جو دافئ بالعائلة: قصة، جلسة هادئة، لعب بسيط، ومحاولة الحفاظ على روتين يومي يعطي شعورا بالأمان.
طقس غزة
وماذا ينتظر غزة هذا الشتاء؟، يجيب مدير موقع "طقس فلسطين" أيمن المصري البوابة 24 بأنه "حتى الان نحن نعاني من موسم متأخر إلى حد كبير، وقد شارف شهر تشرين الثاني على النهاية وما زالت الحالات الجوية القوية بعيدة عن فلسطين، وهذا امر مبشر لأهل غزة، خاصة وأن الأغلبية الساحقة من الغزيين تعيش في خيام غير لائقة للحياة الانسانية، وغير لائقة لأي حالة سواء صيفا او شتاء".
ورغم صغر مساحة غزة، يوضح المصري أن "مناخها ليس واحدا، أقصى المناطق الشمالية جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا ، بالوضع الطبيعي حصتها من الامطار بتكون كبيرة، وكلما اتجهنا جنوبا تقل كمية الامطار، وتصل إلى نصف المعدل عنه في شمال القطاع".
ويقول المصري نتيجة الحرب وتداعياتها "نحن لا نتحدث عن أوضىاع مثالية في القطاع، حيث خيام مهترئة لا تقي حر الصيف أو برد الشتاء، وفي ظل انعدام المقومات، ورغم قلة الامطار تحديدا في مناطق جنوب وادي غزة التي يتكدس بها مئات آلاف النازحين، يعانون من الحالات المطرية على قلتها، خاصة في ظل انعدام المقومات تزداد الحياة صعوبة، ولا يعرف الناس كيف يتدبرون أمورهم، وتكون الأمطار وبالا عليهم".
لا تنخفض الحرارة كثيرا في مناطق جنوب وادي غزة، وفي كل قطاع غزة عموما، فدرجات الحرارة معتدلة، وبحسب المصري فإن غزة تمتاز بمناخ معتدل شتاء، لكن لياليها باردة وتصل إلى 10 درجات مئوية، وتزداد حياة الغزيين تعقيدا في الخيام المعرضة للغرق، وما لديهم من ملابس وأمتعة بسيطة للغاية، ولا يزال الاحتلال يحرمهم من أدنى مقومات الحياة حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
إن تربة غزة امتصاصية وتساعد على امتصاص الامطار بشكل سريع، خاصة في ظل موسم مطري ضعيف، ولكن رغم ذلك فإن انعدام وسائل الحياة الكريمة تجعل الامطار -على قلتها- حالة صعبة للتعامل معها خاصة بالنسبة للفئات الهشة، والنازحين في الخيام البالية، التي تفتقر لكل شيء، بما فيها وسائل التدفئة.
وينصح المصري النازحين بحماية الخيام بالنايلون والشوادر كإجراء قد يساعد في منع غرقها بالأمطار، وضرورة رفع مستوى الخيام عن الأرض على الأقل 10 سنتيمتر، لمنع تسرب الأمطار من الأسفل، وكذلك ضرورة تثبيت الخيام بالأرض كي تكون قادرة على الصمود في وجه الرياح.
