أطفال غزة.. باللعب يواجهون الحرب ويزرعون الأمل بين الركام

أطفال غزة خلال الحرب
أطفال غزة خلال الحرب

غزة/ البوابة 24 – رشا أحمد:

على وقع أصوات القصف والدمار، وفي خيام النزوح التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، تظهر وجوه صغيرة تحاول أن تنتزع من ركام المعاناة لحظة ضحك صافية. أطفال غزة الذين اعتادوا أن يعيشوا بين الموت والخوف والحرمان، يثبتون مرة أخرى أنهم قادرون على تحويل الألم إلى ابتسامة، وأنهم يملكون من الإرادة ما يجعلهم يقاومون الحزن بالسخرية واللعب والمرح.

ألعاب بسيطة وابتسامات كبيرة

في مخيمات النزوح المنتشرة جنوب قطاع غزة، يجلس عشرات الأطفال على الأرض يلعبون الحَجَلة والمراجيح، يضحكون بصوت عالٍ، وكأنهم يواجهون عالمهم المليء بالقسوة ببراءة الطفولة وحدها. وبينما يفقد الكبار القدرة أحياناً على التحمّل، يظل هؤلاء الصغار يبعثون الأمل في قلوب ذويهم بأن الحياة لم تُهزم تماماً.

563b9181-f099-44b0-83f7-aabf33dd5c25.jfif
 

يصف محمد، طفل في التاسعة من عمره، كيف يصنع مع أصدقائه مربعات الحَجلة باستخدام الحجارة الصغيرة: "نرسمها على التراب، ونضع حجرًا، ونضحك كثيرًا، فننسى صوت الطائرة قليلًا." أما المراجيح، فقد تحولت إلى فسحة حرية وسط الخيام.

 تقول الطفلة سلمى: "عندما أصعد على الأرجوحة أشعر أنني أطير، وأنسى أن من حولي خيامًا ودمارًا."

3c9a4203-e348-4772-81e2-36497c90e7f1.jfif
 

ابتسامة تقهر الحصار

تقول أمّ محمود، وهي نازحة فقدت منزلها في خانيونس: "كنت أظن أن أطفالي سينهارون من شدة الرعب، لكنني تفاجأت أن أصغرهم كان يقلّد أصوات الطائرات بصوت مرتفع ويضحك، ثم يتبعه الآخرون بالتصفيق. ضحكهم جعلني أستعيد أنفاسي للحظة، رغم كل ما نحن فيه."
وتروي سارة، متطوعة تعمل مع الأطفال في أحد مراكز الإيواء، أن الأنشطة البسيطة مثل الرسم على الرمل أو تلوين أوراق قديمة، تصنع فارقاً كبيراً: "رسموا شمساً كبيرة وسط الغيوم، وكتبوا تحتها كلمة (سلام). تخيّلوا! في وقت يطغى فيه الدخان والظلام، أطفال غزة يرون الشمس بألوانهم."

9155ad3d-9a69-4388-88d7-db264eea305b.jfif
 

الضحك كعلاج نفسي

الدكتور أحمد، اختصاصي نفسي في غزة، يوضح أن الأطفال يمتلكون قدرة فطرية على التكيّف مع الصدمات، وأن الضحك عندهم يشكّل آلية دفاعية طبيعية: "هم لا ينسون الألم، لكنهم يحاولون تجاوزه بخلق مساحة صغيرة من الفرح وسط المأساة. وهذا ينعكس إيجاباً أيضاً على الأهل الذين يجدون في ابتسامة أبنائهم جرعة أمل للاستمرار."

في مقابلة مع البوابة 24، تقول الأخصائية النفسية دعاء :"اللعب والضحك ليسا مجرد ترف للطفل الغزي، بل هما وسيلة للبقاء. حين يقف طفل أمام بيت مهدّم ويبدأ بالقفز في لعبة الحَجَلة، فإنه يحوّل مشهد الموت إلى مساحة حياة. الابتسامة عند الأطفال هنا رسالة مقاومة صامتة، تحمل في داخلها قوة لا تقل عن صمود الكبار."

وأضافت: "دور المجتمع المحلي والمتطوعين مهم للغاية، فكل مبادرة صغيرة تتيح للأطفال فرصة اللعب أو التعبير بالرسم، تساعدهم في تجاوز جزء من الصدمة. نحن بحاجة ماسة إلى برامج دعم نفسي مستدامة، لأن هذه الابتسامة إن لم نرعاها قد تختفي تحت ثقل المأساة."

b3c29734-6932-4934-b6c8-b0de07f3b497.jfif
 

صور من قلب الحرب

صور كثيرة انتشرت من قلب غزة: أطفال يركضون بين الخيام ببالونات صنعت من أكياس النايلون، آخرون يقيمون مباريات كرة قدم بأحجار صغيرة، وبعضهم يرسم على جدران المدارس المهدمة وجوهاً باسمة. كلها مشاهد تختصر حقيقة غزة: مدينة محاصرة، لكن روحها لا تُحاصر.

رغم الجوع والعطش والخوف، يبقى الضحك رسالة هؤلاء الصغار إلى العالم. رسالة تقول إنهم يستحقون الحياة، وأن وجوههم المضيئة هي أجمل ردّ على آلة الحرب التي لا تعرف سوى الظلام.

غزة التي تنزف منذ شهور طويلة، تبتسم من خلال وجوه أطفالها، وكأنها تؤكد أن الضحكة هنا ليست إنكاراً للواقع، بل هي إعلان تحدٍّ: "سنعيش، وسنفرح، وسنظل نحلم، مهما حاولوا سرقة طفولتنا."

ca2f3c69-9fc0-4d5d-9cca-4fcfce1d65d6.jfif
 

f543358b-e8b7-4f5a-8c47-8437718dfa1b.jfif
 

البوابة 24